مقال منقولة مع تصرف
العلاقة مع الآخر
من كلمة الإمام عليّ(ع): «فإنّ النّاس صنفان: إمّا أخ لك في الدّين، أو نظير لك في الخلق»، فإنّنا نجد فيها لفتة إنسانيّة في التزام الإحساس الإنساني في العلاقة مع الآخر.
أن الحديث عن أنّ الانتماء الديني قد يصبح عامل تقسيم وتشرذم، وسبباً لصراعات أهليّة خطيرة تهدّد وحدة المجتمع، فنسجّل على ذلك:
أوّلاً: أنّ المسألة في التقسيم والتشرذم والصّراعات الأهليّة الخطيرة، ليست مسألة الخصوصيّة الدينيّة في الانتماء، بل هي مسألة العصبيّة في الإحساس الضيّق بالانتماء، مما قد يتمثل بالدين أو العرق أو القومية أو الحزبية أو العائلية، وهذا هو ما تفسّره الحروب والنزاعات المتنوعة في هذه الخصوصيات الإنسانية.
ثانياً: إن الأخلاق الدينية القائمة على أساس العنصر الإنساني في أجواء القيم، تخفّف الكثير من العصبيّة، لتحوِّل الإنسان المتدين إلى إنسان منفتح {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا} (آل عمران64). فإنّ إيحاءات هذه الآية تؤكّد مسألة الاعتراف بالآخر والتّعايش معه على أساس الأرض المشتركة.
ثالثاً: إن الإسلام في اعترافه بأهل الكتاب، قد استطاع أن يؤكّد التجربة الإنسانية في تأسيس المجتمع المتنوّع الذي يعيش فيه النصارى واليهود جنباً إلى جنب مع المسلمين، من دون أية خطوة سلبيّة ضدّهم من قِبَل المسلمين، وهذا ما نلاحظه في الوجود «الكتابي» في مدى السنين التي حكم فيها الإسلام بلداناً ذات مجتمعات متنوّعة دينياً، وإذا كانت قد حدثت هناك بعض المشاكل في هذه الدائرة، فإنها لا تختلف عن المشاكل في الدائرة الإسلامية في خصوصياتها وتنوّعاتها الذاتية، أو في الدائرة النصرانية أو اليهودية. ولو درسنا مثل هذه الصّراعات الحادّة، لرأينا أنها - في غالبيّتها - ترجع إلى عوامل سياسيّة أو عرقيّة لا علاقة لها بالدّين من قريب أو من بعيد.
إنّ الممارسة الدينية لرجال الدين قد حملت بعض السلبيّات النّاتجة من الخطأ في التصوّر، و الانحراف في الحركة، و التخلّف في الوعي، و التعصّب في الانتماء، الأمر الّذي أدّى إلى نتائج سلبيَّة في غير صالح المجتمع، ولعلّ هذا هو السّبب في المشاكل المعقّدة الّتي عاشت في الماضي والحاضر في الخلافات الطائفيّة، والحروب الدينيّة، والحساسيّات المذهبيّة، والنّاس الّذين عاشوا في هذا الواقع، لم يأخذوا بالرحابة الدينية في آفاق القيم الروحية والأخلاقية، بل أخذوا بالدوائر الضيّقة التي تحبس الفكر في زنزانة الجهل، وتحاصر الرّوح في زوايا التخلف.
27/2/2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق