بحث هذه المدونة الإلكترونية

3/27/2020

قصة قصيرة...سر طفولي


سِرْ طُفولي


عرفت مدينته دخول الكهرباء المستمرة (دي سي ) ضمن حملة أطلقت الحكومة عليها "مجلس الأعمار" انطلقت في عام  1956.. وعند وصول الكهرباء لمنازل المدينة أصبحت حديث الناس في المناطق المجاورة التي لم تصل إليها الكهرباء وأنطلق الشعراء يتغنون بانجازات الحكومة وإطلاق المديح لسياسي الحكومة لأهتمامهم بالمدينة التاريخية..وأصبح البعض يكتب أبيات من الشعر في هذه المناسبة وقد أخبره عمه الشاعر يوما عن رجل تغنى بوصول الكهرباء والماء إلى مدينة "سامراء" بشكل طريف وجميل لا يراعي فيها قوانين عروض الشعر والقوافي:
الماء يجري في البواري مسرعا  
والكهرباء تقمبز في الأسلاكِ
سامراء ويحاكِ ..ويحاكِ
كان أحد أيام حزيران من عام 1965 موعدا استبدال الطاقة الكهربائية بالطاقة المتناوبة (أي سي) ..كانت الأبراج العالية تمر من أمام بيته والجميع يترقب انجاز المشروع لإنهاء معاناة السكان بقطع الطاقة كل ليلة عند الساعة التاسعة مساءا وكأن شركة الكهرباء تقول للناس قد حان موعد النوم...
تبعثرت بقايا وقطع حديدية هنا وهناك تركها عمال الكهرباء دون رفعها وبانتظار رجال خدمة آخرين يرفعون مخلفات العمل..كان صغيرا ومعه مجموعة من الأصدقاء في عمره يتسلوا بمخلفات ما يتركه عمال الكهرباء من مواد حديدة ..فيقوم أحد أصدقائه بعمل سيارة حديدية والآخر عربة (ربل) والآخر يعمل من حلقات حديدية عجلة يدفعها.....لم يكن هو من هؤلاء لكن كان له ولعا آخر في رمي الحلقات الجديدة بحركات حلزونية لولبية وإعادتها إلى نفس النقطة وهي مشابه لرمي الصحون البلاستيكية التي يلهو به شباب اليوم...كان تنفيذها صعب للغاية فقد تصيب بالخطأ أحدهم وتؤدي إلى جرحه ويترتب عليها مطاردة بين نمر جريح و شادن يحاول التخلص منه... تلقى تحدي من صديق له برمي القرص الحديدي وهو عبارة عن قطعة مجوفة (رنك)، إلى الأعلى لمعرفة أبعد مدى..نازل صديقه فبدا الأخير برمي قرصه ثم يأتي دوره .. كانت اسلاك الضغط العالي العالي مقياس الارتفاع الذي يصل إليه القرص لعلوها.... لم يكن أحد منهما يعرف ماذا يحصل لو ان القرص ضرب أسلاك الكهرباء وتوقعا بعدم حدوث شيء خاصة أن الكهرباء الجديدة لا زالت لم تصل المنازل..رمى القرص إلى الأعلى وانطلق بإتجاه الأسلاك وإذا بالكارثة قد حلت فوق الرؤوس ...فبعد ملامسة القرص للأسلاك، انطلقت جمر النار وسماع صوت رهيب كأنه صوت قذيفة رجت الأرجاء..
انطلقت السيقان تسابق الريح قبل كشف أمرهما ودخل كل منهما بيته القريب ليرى عن بعد ماذا سيحدث...لم يحضر أحد ولم يحدث شي واتفقا أن يكون الموضوع سرا بينهما ... عرف تفسير ما حصل بعد تخرجه من قسم الهندسة الكهربائية إذ كان مجرد تماس لكنه غير اعتيادي.....

 26/2/2020 



قصة قصيرة ..اشواك باردة


أشواك باردة..

كان والده كثير التنقل بين المدن بسبب وظيفته التي تتطلب ذلك، وفي أحيان كثيرة يأخذ عائلته معه وفي أحيان أخرى لا تصاحبه عائلته لاسباب تتعلق بالمكان أو المستوى الاجتماعي للمدينة  وهو الذي منح عائلته كل الاهتمام واهتم بتفاصيل وان تكن صغيرة من أجل أن تعيش عائلته بالمستوى المطلوب..
كان صغيرا حين وصل مدينة جديدة عليه رغم أنها كانت مدينة قبيلته التي انتقل إليها مع أهله وليمسك والده بوظيفته هناك كمسؤول عن حماية أنابيب لنقل النفط من الجنوب الى الشمال أو بالعكس تمر من أطراف المدينة.. اختلف المكان عليه واختلفت أشيائه التي اعتاد رؤيتها في مدينة بغداد واختلفت الوجوه واختلف الكلام واختلفت العادات..كل شيء كان مختلفا..
تعرف على وجوه جديدة أصبحت قريبة إلى قلبه..قضى أيام صباه هناك وعاش بعيدا عن أحداث دموية ومشاكل سياسية جرت في بغداد ولم يشعر كما شعر الآخرين بسقوط فلسطين بأيدي اليهود .. لم يشعر بشيء إلا بحياة طفولته وصباه وأصدقائه ومدرسته... وجلوسه في مكتب والده أيام الصيف الحارة المبرد بصب الماء على الأشواك (العاكول) بين الحين والآخر ليتسلل  من خلاله هواء خفيف البرودة إلى داخل غرفة مكتب والده .. كان والده ينادي على أحد رجال الشرطة ليقوم بعملية صب الماي على حزمة الشوك: " خلف..صب الماء على العاكول" هكذا كان والده يطلب من الشرطي خلف من عمل.. 
رغم عمره الصغير، كان يدرك حساسية المكان الذي يجلس فيه فكان يحافظ على هدوئه  يقرأ ما يلقي اليه والده من مجلات ذات مواضيع لا تعنيه، لكن تلك كانت رغبة والده أن يبقيه على هدوئه...لكن ذلك لم يدوم بالنسبة لصبي كثير الحركة خارج منزله وبين اصدقائه فطلب من والده طلبا غريبا عندما سأله أن يسمح له بصب الماء على الشوك بدل من الشرطي.. كان والده يحب ان يجعل منه ومن إخوانه رجالا يعتمدوا على أنفسهم فيما رأى في الطلب وسيلة أخرى لتحقيق ذلك...كان يقفز من أمام والده كل  ما طلب والده أن يخرج من الغرفة لصب الماء على حزمة الشواك المثبتة على شباك مكتب والده..
عاد إلى البيت وسألته والدته عما إذا تسلى مع والده فرد عليها: " أكيد خاصة أني أصبحت شرطيا عند ابي وظيفتي مثل وظيفة الشرطي خلف أصب الماء على العاكول "...  

17/3/2020
مبرده بل عاكول | Outdoor, Outdoor structures, Beautiful



3/23/2020

كتاب قارون

كتاب قارون


أشترك الجميع من رؤساء حكومة ووزراء ونواب وأحزاب ورجال الدين وموظفون كبار وصغار في أعمال فساد غير مقبولة أجتماعيا ولا دينيا، وأصبح كل منهم قارونا جديدا يعيث في الأرض الفساد ينتظر مصير مشابها لما حصل لقارون موسى أو عقابا من شعبه.
وما مارسته المؤسسة الدينية في العراق قد ساهم بشكل كبير في جر البلاد إلى الطائفية والفساد المالي والسياسي والإداري فظلت طريقها بعيدا عن مفاهيم الدين الحنيف، وما إنتفاضة الشعب على هذه المؤسسة إلا لأبطال سعيهم، وإعادة البلاد إلى طريقها الصحيح.




                                                         لمشاهد الفديو كاملا أضغط هنا

للطلب والشراء أضغط هنا

وعند مواجهة صعوبة في الحصول على الكتاب من google book وهناك طريقة أخرى لشراء الكتاب من Google book وذلك بتغيير مكان أقامتك الى دولة أوربية او تركيا من خلال أستخدام ال vpn في هذه الحالة تستطيع الشراء أو أي كتاب آخر في المستقبل.

ويمكنكم أيضا الحصول على الكتاب من خلال ارسال حوالة مباشرة مع Western Union بقيمة 7.5  دولار الى سعد عبد القادر ماهر - رقم الجواز A7317424  مع ارسال الايميل الخاص بالمشتري لإرسال الكتاب.

دع الناي يعزف و البلبل يتعجب قصة قصيرة

دع الناي يعزف و البلبل يتعجب[1]

مهداة لروح أخي رعد

لم يكن عزف الناي المبكر قد شغله عن كتابة أبيات من الشعر ..فجمع الأثنين بشكل جميل وتناغمت ابيات شعر عاشق مع صوت ناي حزين ليترك إحساسا رائعا أدركته أسماع أخوته وأصحابه وزاد من جلسات العائلة رونقا وشغفا بأنغام كان يختارها بعناية لتكون عناوين لسهرة جميلة ... كان لصوت الناي الذي يصنعه بيده تعبيرا عما يريد في نفسه وعما يجب أن يقال.. كان دقيقا في تعابير شعره والحان نايه...تركت آثار حروب طويلة وحصار شديد في نفسه آلام حادة عجز الناي ان يشتتها وعجزت قصائد شعره أن تداويها.. عمل المستحيل للوقوف على تلبية متطلبات حياته  حتى باع كتبه العزيزة ...عمل ودرس حتى نال شهادة عليا  ورغم ذلك لم يقبل ما يملي عليه من تنازلات على حساب مبادئه..كان يبعد نفسه عن المتملقين و يصفهم بالمنافقين...تغنى ببلده حتى مات وترك طيوره وبلبله يتعجب من حياته وحياة الناس..




[1] الشاعر رعد عبد القادر كان قد نظم قصيدة بعنوان دع البلبل يتعجب وهو كذلك أسم لأحد دواوينه


3/19/2020

قصة قصيرة زوبا


زوبا

سافر شقيقهما الأكبر إلى خارج العراق لإكمال دراسة الدكتوراه وترك لهما سيارة نادرة كان قد اشتراها والده من إحدى السفارات الأجنبية في بغداد....لم تكن تلك السيارة معروفة لدى الناس وكان صيانتها صعبة بسبب عدم وجود المواد الاحتياطية لها...كانت زيارة قريب لهم إلى الكويت فرصة في استيراد ماكينة محرك السيارة .. فتم جلب الماكنة و استبدال القديم بالجديد..... لكن ذلك لم يساعد كثيرا في الأعتماد على هذه السيارة من قبلهما فقد كان ينقصها الكثير وتحتاج إلى الكثير من الأموال لعمل صيانة شاملة لها فقررا بيعها بعد استشارة الأخ الأكبر  وشراء واحدة اخرى بدلا عنها...قام الشقيق الأوسط بشراء سيارة صغيرة من أحد زملائه الذي كان يعمل معه في أحدى الوحدات العسكرية في بغداد اثناء معارك العراق وايران.
كانت هذه السيارة غريبة في شكلها، محركها في الخلف ولا تحتوي إلا على بابين رغم حجمها الأكبر من موديل آخر لنفس الشركة...كانت تحتاج لصيانة خفيفة ومعروفة لدى الاختصاصيين  ويتوفر لها بعض قطع الغيار في أسواق المدينة.
بدأ الشابان يتنافسان على قيادتها، فالأصغر يتحرك بها إلى جامعته والأكبر  يستعملها أثناء إجازته من الوحدة العسكرية لقضاء سهرة مع أصدقائه...لكن سرعان ما تبددت طاقة الشابين حين استنزفتها "زوبا" وهو الاسم الذي أطلق عليها من قبلهما  بسبب شكلها الغريب وليس هناك شيء يدل على أنها من السيارات المعروفة حتى أن شركتها الأم قد أوقفت انتاجها واستمرت بتصنيع الموديل المعروف بالخنفساء.
كانت سيارة زوبا العجيبة، مثلما يحلو لأحدهم أن يطلق عليها، توقع الشقيقان في مشاكل ومواقف متناقضة، فبعد مواجهة تلك المشاكل بانفعال وعصبية زائدة والخروج من الموقف في النهار، تصبح موضوعا للفكاهة والسخرية في المساء....
خرج يوما للذهاب إلى الجامعة يقود سيارة الزوبا للحاق بموعد امتحان له فكان للسيارة رأيا آخر فقد تعطل مكابحها  الموجودة على عجلاتها الخلفية والتي تعتمد عليها السيارة في الانطلاق والمسير  لكنه رغم ذلك استمر بالقيادة من أجل الوصول إلى جامعته في الوقت المناسب، حتى بدأت السيارة آخذة بالتباطؤ والتوقف، وارتفعت درجة حرارة المكابح وتمددت لتمسك العجلات ومنعها من الدوران والمسير...وقفت السيارة وترجل منها وطلب من أحد المحال القريبة من مكان وقوف السيارة جردلا من ماء بارد لسكبه على عجلات السيارة وتحريرها من قبضة المكابح اللعينة... فعلها مرة ومرتين وثلاثة حتى وصل جامعته بشق الأنفس والتحق بأداء الامتحان لكن خسر فرصة مراجعة مادة الدرس مع زملائه قبل الامتحان.
لم تكن زوبا العجيبة في منأى عن أحراج شقيقه الذي خرج يقودها لقضاء سهرة جميلة مع أصدقائه للذهاب إلى أحد النوادي وفوجئ أثناء السير بانقطاع سلك رغم حجمه الغليظ وهو يصل بين دواسة تحريك السيارة وبين نابض سرعتها ويعني ذلك توقفها ، وبعد أن توقفت السيارة أدخل يده لسحب السلك ووجده مقطوعا من نقطة توصيل النابض ما يعني إمكانية تركيبه مع النابض لكنه بشكل أقصر وبعد سحب النابض إلى الخلف بعيدا عن موضعه الأصلي، أدى إلى زيادة في سرعة دوران المحرك الذي ظل صاخبا طوال المسير.. أنتهى من أصلاح السيارة وقد اتسخت يده بالسواد جراء وجود زيت على السلك ولم تفلح مناديله ولا قطع القماش من إزالته حتى وصل النادي فدخل الحمام على الفور ليغسل يديه قبل أن يراه أحدهم...  
كانت زوبا بحق عجيبة لم تفلح معها محاولات الصيانة التي يقوم بها أحد الفنيين في ساحة الطيران ببغداد والذي ظل يستنزف الجيوب...
قررا الشقيقان أن يقوموا بإزالة الصدأ الذي لاح أبوابها وحافتها ودهنها بلون قريب إلى لون أحدى السيارات الفخمة، وربما كانت مرسيدس التي عرف عنها ذلك اللون المميز المائل إلى اللون الأزرق الرمادي معا ووجد الشقيق الأوسط الفني الذي سيقوم بذلك وعرف عنه مهارته في سوق صيانة السيارات وبعد زمن أنجز ما كان عليه لكنه لم يصل إلى اللون الذي أتفق عليه... عاد بالسيارة إلى البيت وركنها كعادته أمام باب البيت وقضى سهرة مع امه وشقيقه وشقيقته يتحدثون عن تجديد زوبا بلون اقل جمالا من لونها السابق...
في اليوم التالي استيقظ الجميع على صرخاته يطلب من أحدهم خارج البيت ان يوقف تدحرج سيارة كبيرة (لوري) الذي تركها سائقها في وسط الشارع واقفة مشتغلة، باتجاه سيارة الزوبا وما هي الا لحظات والجميع يراقب اصطدم اللوري بالسيارة وتحطيم بابين منها وتكسير المرآة الجانبية والمصابيح الامامية....رغم هول المنظر والشعور بخسارة الأموال المصروفة لتجديدها ضحك الجميع وندرت أمهم عليها وقالت بلكنة جميلة معيبة: انفجعت ..بيعوها.. خلي تولي....
لكن زوبا صمدت في وجه الزبائن واستمرت تلاحق الشقيقان بمشاكلها ولم يتقدم أحد لشرائها إلا من خلال صفقة استبدالها باخرى أسوأ منها و لتحل لعنة عزيزة محل زوبا....   

19/3/2020
Image result for سيارات فولكس فاجن 1965

3/10/2020

قصة قصيرة زلزال


زلزال

مهداة إلى أبن العم العزيز يقظان ماهر

عاش بين أعماله الخزفية..بين صلصال و فرن يعمل بالكهرباء كثير الأعطال، يأخذ من نشاطه الوقت الكثير ..كان يجمع كل شيء يحبه في مشغل جانبي اقتطع من منزل أهله، أستعمل سابقاً كمرئاب لسيارة العائلة..لم يكن مشغل فحسب وإنما كان كتاب جميل لذكرياته وملخصا لحياة طويلة عاشها مترفعا عليها، منذ أن كان طالبا في كلية الفنون الجميلة حتى أصبح خزافا متميزا يعرف  ببصمة أعماله بين أصدقائه وهواة الخزف من الأعمال.
كان يدعو اصدقائه واقربائه في المشغل ليريهم أعماله قبل عرضها في معرض...أعطى الكثير لأعماله وشغلته عن نفسه وعن نداء والدته الجميلة في الارتباط بإحداهن، قطار العمر يجري سريعا ، كان يمازحها  و يمازح أهله واصدقائه مزاحا جميلا ويعطي وعودا موسمية لتحقيق امنيات والدته ودخل الجميع في لعبة الأراجيح بين الربيع والخريف...حتى جاء يوم قد غير تفكيره بحياته وعمله..كان ذلك اليوم وانا اقضي معه سهرة جميلة في مشغله نضحك ونمرح ونحكي حكايات عن هذه وعن تلك، وفجأة حدث شيء لم يكن بالحسبان حين أرتج المشغل بنا وتحركت أشيائه المبعثرة وعلت وجوهنا حيرة وتبادلت معه استفسارات مشباهه عن الشعور بهزة المكان...في بادئ الأمر حسبنا الموضوع لا يتعدى إلا نشوة ضربت رؤوسنا  غير أن ما سمعنا به بعد ذلك، أن ما حدث لم يكن سوى زلزال خفيف ضرب المدينة وضرب نشوة الرؤوس...ضحكنا رغم ذلك لكنه أدرك بأوان الوقت أن يفكر بما تريد والدته منه وأن يقطع أحد حبال أراجيحه قبل أن يضرب زلزال آخر.




10/3/2020

3/09/2020

قصة قصيرة الحب في زمن الكورونا


الحب في زمن الكورونا

سفينة غابرييل غارسيا ماركيز

قصة
9/3/2020

لم يمنع تساقط الثلوج على المدينة البعيدة في أقصى الشرق، الناس من التبضع من سوق للحوم أنواع من الحيوانات غير المألوفة لديه... ولم يكن يعيش غريبا فيها فحسب بل كان كل شيئاً حوله غريبا، لكن ليس بيديه حيله فهو قد عاهد أهله أن يكمل دراسته في تلك المدينة ويعود إليهم بشهادة عالية...كانت تنتظره بفارغ الصبر وتعد السنين الواحدة بعد الآخرى لكي تلتقي به، فقد كان الحب الذي الذي جمعهما أكبر من محاولات أهلها لتزويجها من شخص غني كان قد تقدم لخطبتها ورفضته كما رفضت آخر قبله..لم تمر السنين سريعة كما يعتقد الناس فهي بالنسبة لهما طويلة جدا  ومملة مليئة بالشوق تكسره الاتصالات والمراسلات اليومية بينهما لتخفيف ما يشعر بهما من لوعة الفراق...لكن تلك الاتصالات والمراسلات أخذت بالتراجع نتيجة ما حدث في مدينته بعد أنتشار وباء غريب مصدره سوق اللحوم في المدينة .. وسرعان ما اخترق الحدود ليصل إلى مدن أخرى ومنها مدينة حبيته...لم يكن بإمكان حبيبها أن يفعل شيء إلا أن يطلب مغادرة المدينة، لكن ذلك يتطلب وقتا أوقع حبيبته في قلق متزايد.

تبادلا الوصايا بتوخي الحذر وعدم الخروج من المنزل قدر الإمكان حتى يتمكنا من اللقاء ووعدته أنها ستنتظر ووعدها أنه سيأتي إليها ليتزوجا.. تبادل أصدقاؤهم وأقرباؤهم الوصايا نفسها و استنفر الجميع لمواجهة الوباء فبدأ الأطباء والعلماء معرفة ما يجري ومعرفة الطرق التي يمكن بها القضاء على وباء عرف بـ كورونا ...جمعت الأم أيضا أبناءها في منزلها وخرج الأب يجمع ما يلزم عائلته من وسائل التعقيم ..

تسارعت الأيام وسقط الكثير في الشوارع صرعى وباء كورونا ومات الكثير من الناس في كل مكان وأقضت مضاجع الأقوياء والضعفاء والأغنياء والفقراء على حد سواء ولا زالت تنتظر عودة حبيبها .. ووجد كل منا يقف في وجه عدو غير مرئي لا يمكن دحره بسهولة للدفاع عن أحبائه، رغم ان العالم أجمع قد أجتمع ولأول مرة بعد قرن من الزمان على قلب رجل واحد لمواجهة هذا العدو المجهول.

9/3/2020



3/08/2020

قصة قصيرة بعيدا عن الوطن 1

بعيد عن الوطن 1

مهداة إلى صديقي العزيز سعدون اسماعيل

كان يسمع بباريس انها مدينة النور و طالما حلم بزيارتها ورؤية برجها التاريخي وقوس النصر ومتحفها الزاخر بعبق التاريخ والمسير على أرصفة الشانزيليزيه ... أجمل شوارع العالم..فكان له ذلك في شتاء عام 1996 بصحبة فريق من المهندسين في زيارة إحدى نشاطات شركة الفرنسية في تنفيذ أعمال مد أنابيب حديدية كبيرة القياس باستخدام مكننة جديدة..
لم يكن أحد من فريق البعثة يعلم بخططه التي سبقت إقلاع الطائرة في أحد صباحات آواخر نوفمبر الباردة..فقد عزم على عدم العودة الى العراق بعد انتهاء مهمة البعثة واللجوء الى دولة السويد، لكن امرأ قد حدث جعله أن يلغي العملية وتأجيلها إلى وقت آخر، بالرغم من كل الإجراءات التي اتخذها استعداد للمحاولة، فقد باع كل شيء في منزله إلى أهل الحي الذي يسكنه حتى باع منزله الذي اشتراه بعرق جبينه..
كنا مجموعة متفاهمة يحرسنا أحد رجال المخابرات..كان وقتها تدفع الحكومة برجال المخابرات مع مجاميع الوفود التي تذهب إلى الخارج بسبب الظروف الأمنية والسياسية التي كانت سائدة آنذاك لتأمين عودة الوفود وعدم السماح لها بالتصرف والتسرب وعدم الأحتكاك برجال الأمن تلك الدول خوفا من تجنيدهم لصالحها...كان رجل المخابرات المرافق شابا قد تخرج من قسم اللغة الفرنسية في كلية الاداب وعمل في دائرة المخابرات العراقية التي كانت تدفع بمرتبات عالية أغرت الكثير من الشباب للعمل تحت إدارتها...كان يحضر الاجتماعات الفنية وقد قدمه رئيس البعثة على أنه أحد الإداريين في الوفد..لم يفهم ما كان يجري من نقاشات التي غالبا ما كانت باللغة الإنجليزية ليست بسبب اللغة لكن بسبب طبيعة المادة العلمية في النقاشات...رغم معرفتنا البسيطة به الا انه كان سهل المعشر وأصبحت العلاقة بينه وبين أعضاء البعثة علاقة ودية... اجتمعنا مساءا على مائدة لتناول وجبة العشاء في الفندق الذي كنا ننزل فيه وقد جال في خاطري أن أمسك برجل المخابرات وامازحه باني سوف أترك فريق البعثة ولا أعود إلى العراق ..تغيرت ألوان وجه رجل المخابرات وانطلت القصة، فما كان منه الا ان يعترض واستنكر ما أقوم به....في صباح اليوم الثاني وجدنا الرجل قد استيقظ مبكرا ويبدو عليه عدم النوم وما شاهدني أمامه حتى استرد أنفاسه وقال لي: لم استطع النوم وكنت اسمع اصوات حقائب داخلة وحقائب خارجة وفتح أبواب وغلقت أبواب فأخرج من غرفتي للتأكد من وجودك...اعتذرت إليه لما سببت له من موقف وقلت له أني كنت أمازحه...في الليلة الأخيرة وقبل العودة وفي مكان ما بوسط مدينة ليون الفرنسية أخبرت أحد الأصدقاء في الفريق باني سأعاود الكرة في ممازحة رجل الأمن، وحذرني من الانتقام بعد العودة إلى العراق..كنت غير مباليا فانتفضت في وسط الشارع لأقول: هذه الليلة الأخيرة معكم وإني ساترككم للسفر الى السويد..لم أتوقع رد فعل رجل الأمن عندما قال: أرجوك لا تقول هذا؟ أما نعود جميعا إلى العراق او لا نعود، لا اعود من دونكم...ضحك صديقي فكشف له اللعبة وضحك بقية أعضاء الفريق وسط ذهول رجل الأمن ونظرة ريب بإتجاهي... 

24/2/2020 

قصة قصيرة بعيدا عن الوطن 2

بعيد عن الوطن 2



كانت رحلة الخمسة عشرة ساعة إلى بلاد الصين لقضاء بعض الأعمال الحكومية مع مجموعة من زملاء العمل قد أفرزت مواهب عنده لم يكن يعرفها عن نفسه قبلا، فكان حس الفكاهة مع الآخرين موجودا لكن ليس بالشكل الذي جرى خلال الرحلة.
قرر من غير خطط مسبقة أن يمسك بأحد زملاء الرحلة ووضعه في مواقف مزح جميلة..فقد اتفق مع الجميع باستثناء صاحبنا على تمرير  معلومة له باني باستطاعتي القيام بأعمال سحرية واستطيع تحريك الأشياء وما إلى ذلك..وبدأ مع الزملاء بتبادل أشياء ترتديها  المجموعة ليعلن لصاحبه بأنه تمكن من تحريك خاتم يرتديه أحد الزملاء من إصبعه إلى داخل حقيبة زميلة وهي الوحيدة بين مجموعة من الرجال أو أخباره بنقل فردة من حذاء أحدهم إلى قدم آخر وهكذا حتى وقع صاحبه في فخ قصة أعماله السحرية...ظل ملاصقا له محاولا فهم ما يجري ..ظل صاحبه ضحية لأيام ولم يستطع كشف اسرار اللعبة حتى قام زميل شفق عليه بأخباره بالحقيقة، لكن المفارقة كانت عندما رفض صاحبه قبول الحقيقة مصرا أنه شاهد بنفسه قدراته السحرية..أكد له رئيس البعثة بقصة المزاح التي مارسها الجميع عليه، لكنه رفض أن يتقبل فكرة أنه وقع في فخ من هذا النوع بين الزملاء وفضل القبول بقصة قدراته السحرية بدلا من اعتباره ضحية لقصة المزاح هذه.. ظل على هذا الموقف حتى جائت فرصة أخرى يزيد من شكوكه بشكل أكبر عندما حضر الوفد الى حفل فلكلوري في تايلاند، كانا قد وصلاها في طريق العودة إلى البلاد، قامت به مجموع من الشباب والفتيات...كان وصاحبه ومجموعة الزملاء يجلسون على طاولة، في زاوية بعيدة من المسرح فهمس في أذن صاحبه: "أني سأريك كيف ستأتي إحدى الفتيات من المسرح إلى الطاولة لتطلب مني ان اشاركها برقصة على المسرح"، لكنه تهكم وتحدى وقال بأنه سيعترف والى الأبد بقدراته الخارقة أمام الجميع حتى ولو رفض الجميع تصديقه، وطلب منه أن ينظر إليه ليريه كيف سيقوم بذلك ورفع يديه باتجاه المسرح وهمم بكلمات لم يسمعها، كان يضحك ويضحك الجالسون معه لهذه الحركة الصبيانية، لكن ما هي الا لحظات حتى ترجلت إحدى الفتيات من المسرح تهرول باتجاه طاولتنا وتقف عند رأسه تطلب منه الصعود على المسرح لمرافقتها في رقصة فلكلورية...كانت صدفة عجيبة ان يحدث ما راهن عليه مع صاحبه الذي قفز من مكانه يضرب الطاولة أمام الآخرين وهو يصيح في الوجوه : إلا أقل لكم أنه ساحر...نعم ساحر..ضحك الجميع وأنتهت السهرة بعد ان قام بمراقصة الفتاة وحصوله عل مزيد من الإطراء من الحاضرين وحصل على مجموعة من الورود كتذكار من هذه المناسبة ... بعد عودتهم من الرحلة أصبح شخصا جدليا في مقر شركته بسبب قصص صاحبه حول قدراته السحرية..  
23/2/2020

قصة قصيرة بعيدا عن الوطن 3

بعيد عن الوطن 3

كانت ايام الحصار على العراق تضرب بشدة أوصال المجتمع العراقي وكانت طبقة الموظفين قد تأثرت كثيرا فبعد ان كان دخله يكفيه ويكفي اعانة عائلته، أصبح راتبه لا يكفيه شراء قوته اليومي، وعند نيل الموظف لإيفاد خارج العراق ويعني هذا مكسبا إضافيا إلى مدخلاته..يحصل الموظف بعض المال من الشركات تغطية مصروفاته اليومية..
خرج مع مجموعة من المهندسين الأكبر منه عمرا واكثر خبرة إلى اسطنبول لبحث أمور هندسية لأحد المشاريع التي تنفذها الشركة التركية في العراق، فكان لزاما أن يبحث تفاصيل فنية دقيقة مع الأتراك..في العادة تقوم الشركات باستمالة الوفود لكسب جانبها وتمرير بعض الصفقات في المستقبل كما تعتقد..فتقوم بدعوات يومية لقضاء أمسيات جميلة في أماكن لم يعتاد عليها في غالب الأوقات في البلاد، فهي مكلفة للأموال لا يمكن دفعها في مثل تلك الأوقات العصيبة دعوا لتناول العشاء في أحد المطاعم المشهورة بتقديم الأسماك حسب اختيار الزبائن..ويقوم الأتراك بتناول الوجبات الغذائية مع مشروب كحولي محلي، فشارك بعض أعضاء الوفد في تناول هذا المشروب....أنهى تناول الطعام على أنغام مقامات تركية قريبة من النغم العراقي..ليبدأ عرض طلبات الشاي والقهوة.... كان أحد أعضاء الوفد قد عرف عنه موهبته في قراءة الطالع من فنجان قهوة عن طريق صديق له، فأراد أن يقدم لأصحاب الضيافة شيئا مميزا، فاقترح أن يأخذ الجميع القهوة...ويعُرَفَ عن الأتراك ولعهم وحبهم لقراءة الطالع من فنجان القهوة وعند مرورك في اي مقهى تركي ستشاهد في زواياه من يقلب فنجان في يده يقرا طالع شخص جالس امامه...عند سماع الأتراك بذلك تشجع الجميع وقدموا الفناجين المقلوبة ليبدأ مهمة صعبة لسببين...يجب أن يقرأ باللغة الإنكليزية وكذلك صعوبة القراءة في أجواء ملبدة بدخان السجائر وصوت الموسيقى العالي..مع هذا حزم أمره وكشف بعض الأسرار ما أثار دهشة الأتراك لقربها من الواقع او صدقها....كان ذلك كافيا أن يقوم مدير الشركة التركية ان يطلب منه ان يقرأ له طالعه في مكتبه الواسع والأنيق.. وقبل أن يعتذر له طلب رئيس الوفد منه أن يجامل ويقوم بقراءة طالعه على سبيل المتعة..امتثل لطلب مسؤولة وبدأ مع فنجان مضيفنا ليبصر طالعه...كانت الصدفة أن تكون قراءة الطالع موفقة وبشهادة منه وقد أثارت دهشته ودهشة الحضور وخاصة بعد ان أكد رواية كان قد رواها له، حدثت له بالتمام والكمال في بيته الصيفي..فرح زملائه بما قام به وشعر بسعادة الأتراك واعتبره أحد زملائه بطلا من ابطال الوفد..لم تنتهي الرواية الى هنا بل كانت المفاجئة ان يطلب مدير الشركة التركية من رئيس الوفد أن يسمح له بالانتقال الى شركته للعمل معه في مكتبه...قال لزملائه: "انه يريد مني ان أكرر تجربة سابقة مع صديق لي كنت أعمل معه في أحد المشاريع" .. فهم احد الزملاء وضحك رئيس الوفد  واعتبر طلب الرجل شكلا من أشكال المزاح ..لكن ذلك لم يمنع رئيس الوفدمن مداولة هذه القصة في الشركة التي يعمل فيها بعد العودة الى البلاد...

24/2/2020          

قصة قصيرة بعيدا عن الوطن 4

بعيد عن الوطن 4

كان شهر مايو من عام 2002 موعدا لتنفيذ ماعجز عنه في المحاولة السابقة للهجرة إلى بلد آخر...فكان موعد تنفيذ خطة الهروب بعد انتهاء عمله في روسيا على رأس مجموعة كبيرة من المهندسين والفنيين الذين جاءوا من البصرة وكركوك وبغداد برفقة رجل مخابرات لحضور تدريب فني في إحدى المدن الروسية التي يتواجد فيها معهد فني للتدريب...كانت محاولته للخروج من البلد تتطلب تنفيذ خطة محكمة لا تقبل الخطأ ولو واحد في المئة.. أتصل بأحد الأصدقاء الذي كان يعيش في موسكو وأتفق معه لتنفيذ خطة خروجه من الفندق من دون يلفت انتباه رجل المخابرات واستبدال الفندق بواحد قريب حتى يتمكن من الذهاب للمطار.. حضر الصديق إلى الفندق الذي يسكنه وحجز غرفة فيها وطبعا ليس للسكن فيها وإنما يساعده في وضع حقائبه في غرفة صديقه فيقوم هذا بحملها وأخراجها من الفندق إلى فندق مجاور ثم يتمكن من الخروج من الفندق بدون حقائب وبدون أن يلتفت له أحد...
أحكم الخطة مع صديقه ولحسن حظه لم ينتبه أحد أعضاء الوفد لخروجه من تلك الغرفة وهو يعرف أنه نزيل غرفة اخرى.. تمكن في النهاية من أنجاز  ما عليه من دور في الخطة وخرج خلسة من الفندق والذهاب إلى فندق آخر مجاور.. وبعد أن أخذ حماما ساخنا أستعد للخروج إلى المطار قبل جذب إنتباه أعضاء الوفد ورجل المخابرات. طلب سيارة تاكسي للوصول إلى المطار.. وصل المطار وتسنى له وبصعوبة إيجاد طائرة ذاهبة الى دمشق لكن عليه البقاء في ترانزيت المطار لمدة تزيد عن سبعة ساعات قبل توجهها الى عمان.. مع ذلك كانت مدة كافية قبل أن يقوم رجل المخابرات باتخاذ إجراءات منعه من الخروج من موسكو بعد استلام رجل المخابرات رسالة كان قد كتبها وسلمها لزميل له شاركه في غرفة واحدة وطلب منه أن يسلمها الى رجل المخابرات عند الصباح ...كانت رسالته عبارة عن أعتذار عن مواصلة العودة الى العراق لاسباب صحية وحاجته لاجراء فحوصات في القلب.
وصل عمان بنجاح وبدأ مشوار العمل على إخراج عائلته من العراق والتحاقها به في عمان..بعد ثلاث اشهر من بقائه وحده في عمان تمكنت عائلته من الوصول ليبدأ مشوار العيش خارج بلده إلى الأبد...
25/2/2020  

قصة قصيرة دع الناي يعزف و البلبل يتعجب


دع الناي يعزف و البلبل يتعجب[1]

مهداة لروح أخي رعد

لم يكن عزف الناي المبكر قد شغله عن كتابة أبيات من الشعر ..فجمع الأثنين بشكل جميل وتناغمت ابيات شعر عاشق مع صوت ناي حزين ليترك إحساسا رائعا أدركته أسماع أخوته وأصحابه وزاد من جلسات العائلة رونقا وشغفا بأنغام كان يختارها بعناية لتكون عناوين لسهرة جميلة ... كان لصوت الناي الذي يصنعه بيده تعبيرا عما يريد في نفسه وعما يجب أن يقال.. كان دقيقا في تعابير شعره والحان نايه...تركت آثار حروب طويلة وحصار شديد في نفسه آلام حادة عجز الناي ان يشتتها وعجزت قصائد شعره أن تداويها.. عمل المستحيل للوقوف على تلبية متطلبات حياته  حتى باع كتبه العزيزة ...عمل ودرس حتى نال شهادة عليا  ورغم ذلك لم يقبل ما يملي عليه من تنازلات على حساب مبادئه..كان يبعد نفسه عن المتملقين و يصفهم بالمنافقين...تغنى ببلده حتى مات وترك طيوره وبلبله يتعجب من حياته وحياة الناس..




[1] الشاعر رعد عبد القادر كان قد نظم قصيدة بعنوان دع البلبل يتعجب وهو كذلك أسم لأحد دواوينه