قصة قصيرة
مهداة إلى صديقي العزيز سعدون اسماعيل
بعيد عن الوطن 1
كان يسمع بباريس انها مدينة النور و طالما حلم بزيارتها ورؤية برجها التاريخي وقوس النصر ومتحفها الزاخر بعبق التاريخ والمسير على أرصفة الشانزيليزيه ... أجمل شوارع العالم..فكان له ذلك في شتاء عام 1996 بصحبة فريق من المهندسين في زيارة إحدى نشاطات شركة الفرنسية في تنفيذ أعمال مد أنابيب حديدية كبيرة القياس باستخدام مكننة جديدة..
لم يكن أحد من فريق البعثة يعلم بخططه التي سبقت إقلاع الطائرة في أحد صباحات أواخر نوفمبر الباردة..فقد عزم على عدم العودة الى العراق بعد انتهاء مهمة البعثة واللجوء الى دولة السويد، لكن امرأ قد حدث جعله أن يلغي العملية وتأجيلها إلى وقت آخر، بالرغم من كل الإجراءات التي اتخذها استعداد للمحاولة، فقد باع كل شيء في منزله إلى أهل الحي الذي يسكنه حتى باع منزله الذي اشتراه بعرق جبينه..
كنا مجموعة متفاهمة يحرسنا أحد رجال المخابرات..كان وقتها تدفع الحكومة برجال المخابرات مع مجاميع الوفود التي تذهب إلى الخارج بسبب الظروف الأمنية والسياسية التي كانت سائدة آنذاك لتأمين عودة الوفود وعدم السماح لها بالتصرف والتسرب وعدم الأحتكاك برجال الأمن تلك الدول خوفا من تجنيدهم لصالحها...كان رجل المخابرات المرافق شابا قد تخرج من قسم اللغة الفرنسية في كلية الاداب وعمل في دائرة المخابرات العراقية التي كانت تدفع بمرتبات عالية أغرت الكثير من الشباب للعمل تحت إدارتها...كان يحضر الاجتماعات الفنية وقد قدمه رئيس البعثة على أنه أحد الإداريين في الوفد..لم يفهم ما كان يجري من نقاشات التي غالبا ما كانت باللغة الإنجليزية ليست بسبب اللغة لكن بسبب طبيعة المادة العلمية في النقاشات...رغم معرفتنا البسيطة به الا انه كان سهل المعشر وأصبحت العلاقة بينه وبين أعضاء البعثة علاقة ودية... اجتمعنا مساءا على مائدة لتناول وجبة العشاء في الفندق الذي كنا ننزل فيه وقد جال في خاطري أن أمسك برجل المخابرات وامازحه باني سوف أترك فريق البعثة ولا أعود إلى العراق ..تغيرت ألوان وجه رجل المخابرات وانطلت القصة، فما كان منه الا ان يعترض واستنكر ما أقوم به....في صباح اليوم الثاني وجدنا الرجل قد استيقظ مبكرا ويبدو عليه عدم النوم وما شاهدني أمامه حتى استرد أنفاسه وقال لي: لم استطع النوم وكنت اسمع اصوات حقائب داخلة وحقائب خارجة وفتح أبواب وغلقت أبواب فأخرج من غرفتي للتأكد من وجودك...اعتذرت إليه لما سببت له من موقف وقلت له أني كنت أمازحه...في الليلة الأخيرة وقبل العودة وفي مكان ما بوسط مدينة مونبلييه الفرنسية أخبرت أحد الأصدقاء في الفريق باني سأعاود الكرة في ممازحة رجل الأمن، وحذرني من الانتقام بعد العودة إلى العراق..كنت غير مباليا فانتفضت في وسط الشارع لأقول: هذه الليلة الأخيرة معكم وإني ساترككم للسفر الى السويد..لم أتوقع رد فعل رجل الأمن عندما قال: أرجوك لا تقول هذا؟ أما نعود جميعا إلى العراق او لا نعود، لا اعود من دونكم...ضحك صديقي فكشف له اللعبة وضحك بقية أعضاء الفريق وسط ذهول رجل الأمن ونظرة ريب بإتجاهي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق