بحث هذه المدونة الإلكترونية

1/01/2023

قصة قصيرة مطبخ عالية

 مطبخ عالية

رفضت كل الرجال الذين تقدموا لخطبتها، فاهتمامها باسرتها اولاً وعليها أن ترعى أخوانها الصغار بعد أن فقدت والديها ولم يعد لهم معيلاً غير أقرباء لها من والدها، فأرادت أن تتحرر من قيود عائلة أبيها فرضتها عليها وعلى أخوتها، فتقدمت إلى كثير من الأعمال، لكن أصحابها غلقوا الأبواب بوجهها، لكنها لم تأيس فقد استمرت تبحث عن فرصة تلو الفرصة دون كلل.  
لم تسأل أحد غير العمل ولم تطلب مالاً من أحد، فقد وظفت ما تركه والدها من مال في صرفها على أشقاءها، وبدون تبذير، وبشكل يساعد على إدامة زخم متطلبات الحياة لعائلتها.
لحسن حظها كان البيت الذي تركه لهم والدها كان ملكاً له، فورثته مع أخوتها القاصرين دون أن تفرط به، لذا كان بأمكانها المحافظة على استمرار دراسة أخوتها دون مشاكل ما دام هناك سقف بيت يأويهم ولا أحد يطرق بابه كل شهر جديد.
هيأت نفسها استعداداً لمقابلة مسؤول في أحدى الشركات لغرض التوظيف، فالتزمت بملابس محتشمة، وخرجت من البيت تحمل حقيبة فيها جميع متطلبات التوظيف من هويات شخصية، ورسالة بريد الكتروني مطبوعة تخص دعوتها إلى مقابلة العمل قبل توظيفها بشكل نهائي، وسيرة ذاتية مطبوعة، وشهادة دراسية، قضت يومين لإصدارها من مدرستها الثانوية، فهي لم تصل في دراستها لأبعد من ذلك، فقد كانت وفاة والدها نهاية مشوارها الدراسي فتفرغت بعدها للبيت ولأخوتها، فأصبحت لهم أماً وأباً ترعى شؤونهم.
وبعد أن استقلت أحد الباصات نزلت عند بناية ليست بالكبيرة، فتوجهت لبابها الرئيسي فاستقبلتها موظفة الاستقبال لتسألها عن حاجتها، فراعت هدوء المكان فأخبرتها بصوت منخفض عن رغبتها بالتعيين لدى الشركة وحسب البريد الألكتروني الذي استلمته من مسؤول التعينات في الشركة.
كانت الوظيفة؛ وبسببها طلب منها الحضور هي أن تقوم بمساعدة أحد مدراء الأقسام في عمله، بيد أن الوظيفة كانت تحتاج إلى مهارة في تدقيق في القسم المالي للشركة، الأمر الذي كان ينقص مهاراتها، فاعتذرت عن الوظيفة. كانت هذه المرة هي من ترفض التعيين في وظيفة، وبالرغم من حاجتها إلى الوظيفة كانت صادقة مع نفسها ومع الآخرين. عادت إلى البيت دون أن تظهر حالتها إلى أخوتها، وقررت أن تخوض تجربة سمعت عنها كثيراً من صديقاتها وأقربائها الذين اقترحوا عليها عرض مهاراتها في إعداد المأكولات المنزلية التي تشتهر في تحضيرها بين مقربيها من خلال الطبخ أمام الجمهور على قناة خاصة بها على موقع اليوتيوب.
لم يكن لها خبرة تقنية سابقة في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، فطلبت من أحدى صديقاتها أن تهيأ لها قناة خاصة بها بينما تطلب استشارة صديقة أخرى بتقديم النصح لشراء مستلزمات التصوير من كاميرة ومايكرفون وبعض الأجهزة، فقد شاهدت كل ذلك وعرفته حينما كانت تفكر في الموضوع بجدية على أحدى المواقع في الأنترنيت. بيد أن صديقتها قد اقترحت عليها المشاركة في إعداد الجانب الفني مقابل الانتفاع من عائدات القناة المالية فوافقت دون تردد، إذ شعرت بأنها تخلصت من هموم الجوانب التقنية للقناة. شعرت عالية بسعادة غمرتها رغم هموم أسرتها، وقبلت التحدي للمضي قدماُ في إنجاز هذا العمل.
بدأت عالية وصديقتها المشوار وبدأت الاستعدادات لأخذ كل واحدة منهما دورها في التحضير وإنهاء ما عليهما من متطلبات وبدأت تسلح نفسها بخبرات الآخرين، وتراجع مع صديقتها كل شاردة وواردة عن هذا النوع من العمل.
وما هي إلا أسبوعين ويومين حتى وقفت أمام طاولة وضعت عليها مجموعة من الصحون والقدور، وزين الحائط من خلفها بلوحة من ورق الجدران طبع عليه ما يلائم العمل، حيث توزعت بعض رسومات الفاكهة الملونة والخضروات وصوراً للملاعق والقدور، اجتمعت لتشكل لوحة جميلة مناسبة للتسجيل والبث.  وقفت بثبات أمام كاميرة صغيرة محمولة على حامل خاص بها تقف صديقتها خلفه. كانت صديقتها عارفة بأمور كهذه فقد خاضت تجربة سابقة لم تنل منها النجاح المتوقع فأصرت هذه المرة أن تحاول مجدداً وعدم اليأس، وكانت روح التحدي والثقة العالية بالنفس والمنافسة حاضرة لديها كصديقتها عالية، وبدأت كل واحد منهما تشد العزيمة للأخرى والنهوض والمضي قدماً، وتجاوز كل العقبات لتحقيق النجاح بل الى أبعد حدود التفوق وتجاوز عثرات الماضي الى فسحة متسعة من التفوق والنجاح. انطلقتا في مشروعهما وانهت عالية بمساعدة صديقتها سوسن تسجيل أول حلقة من برنامجها وعرضه على الجمهور.
تعلمت عالية أن التحدي والعزيمة لتجاوز كل الحدود التي ظنتها مستحيلة يحتاج إلى الصبر. فانتظرت ردود أفعال الجمهور لما قامت به، وهي تعلم جيداً أن ذلك قد يأحذ زمناً طويلاً بالرغم من حاجتها المالية الملحة، مع ذلك وقفت بكل جرأة أمام الكاميرة وعملت ما عليها لرسم خطوتها في طريق يمشي فيه الملايين من البشر مرة واحدة.
استمرتا عالية وسوسن في تقديم حلقات جديدة وبدأ المعجبون يتقاطرون على قناتهما بالثناء والمديح لما تصنعه عالية فغمرها ذلك بالسرور وزادت سعادة عندما تلقت أول طلب من أحد المتابعين لقناتها لتجهيز سفرة كاملة من الأطعمة، عندها شعرت أنها أمام تحد كبير عليها انجازه بالسرعة والدقة العالية وبنوعية طعام جيدة. كانت كلمات سوسن لها تشع تفائلاً وتحدي وعزيمة أشعلت دروب اليأس عندها، فبدأت تحفزها بكلمات مليئة بالإيجابية، وبدأت نيابة عن عالية المشغولة في إعداد الطعام تحفيز متابعين القناة، وترد على استفساراتهم وتكتب لهم تغريدات تشجعهم على الاستمرار في متابعة القناة والاشتراك فيها.
طورت سوسن عملها فبدأت ترفع صورأ للمأكولات التي تقوم عالية بإعدادها... كان كل منهما يعمل لوحده كخلية النحل من أجل نجاح التجربة ونجاح مطبخ عالية وهو الأسم التي اختارته سوسن ليكون اسماً للقناة، وتحقيق مكسباً مادياً ومعنوياً.
في صباح أحد الأيام وخلال بث طلبت عالية أن يكون مباشراً دون مساعدة من المونتاج فاجئت عالية صديقتها أمام الكاميرة وأمام المتابعين بتصريح نادر في مثل هذه الأعمال عندما أخبرت عالية محبيها ومتابعيها في نهاية الحلقة بأن الجهد الذي تقوم به لم يكن الجمهور ان يتعرف عليه لولا صديقة عمرها سوسن التي تقف وراء الكاميرة مخرجة رائعة وعمل كل ما هو مطلوب لنجاح القناة. فطلبت من سوسن التقدم إلى جانبها أمام الكاميرة لتقدمها إلى متابعين القناة. وقفا جنباً إلى جنب رافعين أيديهما تحية لجمهورها، وقدمت عالية له امتنانها لوصول القناة إلى رقم كبير جداً من المتابعين.

رسمت حركة عالية الابتسامة على وجنتي سوسن وعاتقتها لهذا الإطراء وعادا ووقفا ليقول بصوت واحد: إلى اللقاء.

4/11/2022