بحث هذه المدونة الإلكترونية

8/28/2021

قصة قصيرة … طريقي إلى الوظيفة

 

طريقي إلى الوظيفة

مهداة إلى الاصدقاء عبد السلام وعلاء علوش وخالد كاظم وضياء الدين

كان الأمل يحدو الطلبة في الحصول على وظائف ما بعد التخرج في شركات ومؤسسات مرموقة، لكن قانون الخدمة العسكرية الذي ظل طويلا يلاحق الطلبة الخريجيين ويزجهم في دورات عسكرية تستمر في حالات السلم لمدة سنة وتسعة أشهر وتكون الخدمة اكثر من ذلك في حالات الحرب وبشكل مفتوح حتى يصدرا امرا حكوميا بالتسريح من الخدمة العسكرية… لكن خريجي الكليات الهندسية لهم بعض الاستثناءات في بعض الأحيان، فهم عصب التطور في بناء البلاد ولهذا يظل المهندسين ورقة صعبة في الخدمة العسكرية، فاضطرار الدولة إلى تسريحيهم هو بسبب هذا الخصوص… وقد عملت الدولة على أستثمار جهود المهندسين وجذبهم إلى مؤسسات ذات طبيعة خاصة، تتميز بأعمال تتطلب جهودا كبيرة لإنجاز خدماتها، لذا تسارع الدولة في تقديم عروضها إلى المهندسين حديثي التخرج ومنها العمل في تلك المؤسسات مقابل تجميد الألتحاق بالخدمة العسكرية لمدة زمنية تعادل تلك التي يقضيها المهندس في الخدمة العسكرية ومقابل مرتبات عالية وهي في الغالب أعلى من بقية رواتب المهندسين لنفس سنة التخرج في دوائر حكومية أخرى  …كان يجري ذلك خلال السنة الأخيرة من الدراسة في الجامعة.

لقد أغرت هذه العروض بعض المهندسين وانا منهم فبدأ البعض بتسجيل أسمه لدى فريق المؤسسة على أمل الألتحاق بالعمل فورا وفي الوقت نفسه يستطيع الأفلات من الخدمة العسكرية التي تتصف بالشدة وصعوبة الأداء.

في الحقيقة كان هناك تنافس بين هذه المؤسسات وبين مؤسسات أخرى تابعة لوزارات الدولة في أستقطاب المهندسين

ويتم تعيين المهندسين في الوزارات من خلال وزارة التخطيط تحت مسمى التعيين المركزي، وقد يصادف كما صادف معي ومع صديق لي ان تم توظيفنا في وزارة النفط حسب التعيين المركزي، وفي الوقت نفسه ترشحنا للعمل في تلك المؤسسات.

 بالرغم ان اختيار المهندس بين الوظيفتين في هذه الحالة محدود، ويظل معتمدا على قرارات يصدرها الوزير او مسوؤلا كبيرا في الدولة.

بعد المباشرة بأشهر معدودة فوجئنا بتبليغ مكتوب بالحضور إلى أحدى المؤسسات لأستكمال التعيين فيها وباتفاق مسبق بيني وبين صديقي قررنا ان نترك العمل في وزارة النفط والالتحاق بتلك المؤسسة لنستدعى بعد ذلك من قبل جهة امنية للاستفسار عن أسباب ترك العمل … وبعد أبلاغهم بحقيقة الأمر تم أخلاء سبيلنا والموافقة على انتقالنا إلى المؤسسة… وبالفعل التحقنا بالعمل الجديد والتقينا باصدقاء سبقونا هناك نعرفهم من الجامعة وباختصاصات مختلفة… كان العمل بالنسبة لي مريحا نوعا ما وفي صلب الأختصاص اما بالنسبة إلى عبد السلام فكان العمل بعيدا عن أختصاصه واصبح أمام كم من المعلومات الجديدة، فشعر بالضجر والملل من نوع العمل وظل يفكر في ترك العمل في أقرب فرصة والعودة من حيث أتى في وزارة النفط.

اجتمعت مع عدد من زملاء الدراسة في الجامعة، لكن باختصاص آخرومنهم خالد، علاء وآخرين…من قسم البناء والانشاءات في الجامعة، ومهندسا كهربائيا كان قد تخرج قبلنا اسمه ضياء، جميعنا اجتمعنا في قسم واحد يختص بتنفيذ مشاريع ابنية الخدمات التي تحتاجها المؤسسة في أعمالها…وجميع هؤلاء الزملاء الذين أصبحوا فيما بعد أصدقاء، هم من عوائل محترمة يتصفوا بالخلق الرفيع والأدب والتربية الأصيلة

نشئت علاقات عمل وصداقة طيبة بين الجميع، ومثلما كنا نتشارك في الطعام اليومي في مطعم المؤسسة، بدأنا نتعاون في إنجاز الأعمال المكلفين بها دون ان يؤثر علينا طبيعة العمل المرهق والدوام الطويل في هذه المؤسسة.

كانت فترة الاستراحة الممنوحة لنا بعد تناول وجبة الغذاء عبارة عن فترة استرخاء للبعض او فترة القيام بالتسالي وهي عبارة عن حزورات او تسالي فكرية إذ لم تتوفر وسائل أخرى غيرها آنذاك… فكنت ابادر في جمع الأصدقاء واللعب بالتسالي الخفيفة التي يغلب على أكثرها شيء من الفكاهة.

في نظام العمل في هذه النوع من المؤسسات، ينشط الجميع قبل الاستراحة عند منتصف النهار ليبدأ بعدها مراجعة المشاكل الهندسية او المعوقات خلال أجتماعات تعقد لهذا الغرض… كان الاصدقاء الذين يقضون اثناء الاستراحة ساعة من الاسترخاء وربما قيلولة صغيرة يحضرون الاجتماع وهم لا زالوا في حاجة إلى الراحة نتيجة الأرهاق الذي يصيبهم بين النهوض مبكرا والمسير الطويل، بين منازلنا وبين المؤسسة، في باصات مصنوعة محليا، تشتهر بصوت محركها العالي واهتزازاته تجعل من ركابها في حالة من الاسترخاء الشديد.

في أحيان كثيرة يلجأ مسؤولنا إلى الطلب من كل واحد منا أستعراض أعماله وكتابتها في تقرير يومي، لكن قبل ذلك يلقي المسؤول على المهندسين تعليمات ادارية وانضباطية احيانا وحث الجميع على أسرار العمل ايضا…كان ذلك يبعث في نفوس المهندسين شيئا من الملل والضجر من تكرار سماع مثل هذه التعليمات…فينتاب البعض حالات من التثاؤب المستمر لكن بعضها كنت امارسها والصديق ضياء عمدا حتى يتمكن التثاؤب من المسؤول ايضا، فيبدأ هو الآخر مقاومة تثاؤبه دون جدوى حتى يستسلم له وبعد استمراري وصديقي في التثاؤب يبدأ الجميع بالتثاؤب حتى يوقف المسؤول حديثه ويظل يقول: لو نكمل الأجتماع لو أنروح انام!!!

أستمرت الاوضاع هادئة في الأعمال اليومية في القسم الذي أعمل فيه بينما ظل عبد السلام يعاني من أعمال قسمه حتى قرر الهروب منه والعودة إلى وزارة النفط ونتيجة ذلك جرت العديد من المساجلات بين وزارة النفط وشركتنا السابقه من جهة وبين المؤسسة من جهة أخرى… فقد صدرت عدة أوامر أدارية مرة لصالح المؤسسة ومرة لصالح الوزارة حتى جاء يوم القرار الحاسم.

زار وزير النفط موقع العمل الذي لجأ إليه عبد السلام وبعد استعراض تقدم الأعمال مع المهندسين جاء دور طرح المشاكل وما يعانيه منتسبي المشروع فوجد عبد السلام نفسه أمام فرصة لطرح مشكلة هروبه من المؤسسة وما ترتب عليها لاحقا أمنيا فشرح للوزير مشكلته بالتفصيل …طمئنه الوزير بان مشكلته ستحل مع المؤسسة ولا داعي للقلق وعليه الالتفات إلى عملة… لكن الوزير اراد ان يعرف أكثر عن الحالات المشابهه فأستفسر من عبد السلام  عن هذه الحالات المشابهه لحالته فذكر له اسمي فما كان من وزير النفط إلا ان يأمر مدير مكتبة بتحرير كتاب موجه إلى المؤسسة لأنهاء خدماتي وخدمات عبد السلام وإعادتنا إلى الشركة التي كنا نعمل بها.

في أحدى الصباحات وجدت كتابا رسميا على طاولتي صادرا من ادارة المؤسسة ينهي فيه خدماتنا في المؤسسة والعودة إلى وزارة النفط وفي هذا ينتهي فصلا جميلا من حياتي قضيته بين أصدقاء أعزاء ولأبدأ طريقا جديدا في وظيفة أخرى.

28/8/2021

 

 


       

8/08/2021

فلسطين – الأرض المقدسة و أم شجر الزيتون

 فلسطين – الأرض المقدسة و أم شجر الزيتون


عرفناها ونحن نقرأ عنها في درس الوطنية في مدارسنا الابتدائية والمتوسطة وعرفناها بعد ان ذهب الاباء والاقارب إليها للدفاع عن أراضيها وعن مساجدها وعن اشجار الزيتون فيها وعن كل شبر فيها، عرفناها أكثر عندما جاء بعض أهلها إلى بلاد العرب يسأل الناس ألحافا وهو يرى قوم صهيون يغتصب أرضه.

سؤال يردده الجميع على الأغلب: ما أهمية فلسطين لتشغل قضيتها نصف سكان العالم ؟ وكيف لا وهي صاحبة التاريخ العريق، وهي بلد كل الأديان السماوية، وارض الرسالات السماوية، ومحطة لكل الانبياء، فقد أختارها الله لتضم المسجد الاقصى؛ وهو أحدى القبلتين وثالث الحرمين ومنها عرج النبي محمد الى السماء، كما تضم كنيسة القيامة ومهد السيد المسيح (عليه السلام) وملجئا لليهود في زمن النبي موسى (عليه السلام). كما شهدت فلسطين هجرة النبي ابراهيم (عليه السلام) إليها مهاجرا من مدينة أور في العراق.

لقد بارك الله تعالى في أرض فلسطين وفي أيقونتها – المسجد الاقصى- التي ظلت صامده بوجه محاولات اسرائيل في هدمها بحجة البحث عن الهيكل المزعوم، وهي قبلة الانبياء وهي التي أعطت العالم الحب والسلام وقد سميت ارضه بالمقدسه او القدس اي الطاهرة التي طهرت من الشرك وجعلت الارض من حولها مباركة يسكنها الأنبياء.  

تتمتع فلسطين بتاريخ كبير، فهي غنية بالأحداث التاريخية التي لم تشهد بها الكثير من دول العالم، فقد كانت فلسطين واحدة من الدول التي شهدت على عدد كبير من الحضارات القديمة والحديثة، فيها مثلا مدينة اريجا التي تعتبر أقدم مدينة موجودة في الوطن العربي، فقد مرت على تلك المدينة حوالي احدى عشر حضارة منذ ان عرف التاريخ، وقد كانت دائما ما تذكر فلسطين على انها الارض الخضراء الخصبة والتي تنبت ارضها الكثير من الخير للناس.

ولمدن فلسطين الكثير من الحكايات والأساطير فتلك مدينة (عكا) لها من الأساطير الكثير وأشهرها ما جاء في سفر أيّوب من العهد القديم تحكي أنّ البحر الكبير غمر العالم، وعندما وصل إلى شاطئ عكّا وقف مكانه.

وتعرف المدينة باسوارها الشهيرة الذي بناها حاكم المدينة الشيخ طاهر العمر الزيداني في القرن الـ18 والتي افشلت محاولات نابليون بونابرت وجيوشه من أقتحامها رغم الحصار الطويل عليها وتعرضها لوابل من قذائف المدفعية، وبسبب فشل الحملة الفرنسية على عكا، قال نابليون كلمته الشهيرة "تحطمت أحلامي على أسوارك يا عكا، سلاما لا لقاء بعده".

ولاشجار الزيتون الفلسطينيه حكاياتها وأساطيرها ايضا، وكيف لا وارض فلسطين تنبت فيها اقدم شجرة زيتون في العالم فقبل عشر سنوات تم اكتشاف شجرة زيتون عملاقة  من قبل علماء يابانيين أطلق عليها أسم "أم شجر الزيتون" ويبلغ قطر أرضيتها حوالي خمسة وعشرين م2 وقد أحيطت بسياج لحمايتها من أي اعتداء يغير من واقعها التاريخي الأثري المهم. ويطلق عليها السكان اسم شجرة سيدنا (احمد البدوي) بحيث يذكر الأهالي أنها وقفية، لذا يخشى الناس التعرض لها بسوء و(احمد البدوي) هو قطب صوفي شهير قبره في مدينة طنطا الساحلية في مصر، وكان له أتباع كثر من فلسطين وكان الدراويش يأتون إلى الزيتونة، يشذبونها ويقلمونها ويجمعون الأغصان ليوقدوا نارا تحتها، بينما يأتي الذين نذروا النذور ليطهون طعاما تقليديا من الأرز والعدس ويوزعونه على الفقراء، ولكن هذا الطقس لم يعد موجودا في الوقت الراهن.

وترتبط الشجرة بميثولوجيا محلية وحكايات لا تنتهي عن الحلال والحرام والصدق والكذب، وفعل الخير. إذ تروى أسطورة عن تلك الشجرة، وهي أن أحد أهالي المنطقة قام بقصف جذع منها ليستخدمه كعصا للفأس (هراوة)، ولكن هذا الجذع تحول في الليل إلى نوع من الأفاعي السوداء يعرف محليا باسم العربيد أثار الذعر في المنزل، فما كان منه في صباح  اليوم التالي إلا أن اخذ الجذع وقذفه إلى الشجرة قائلا (خذ جذعك يا سيدنا احمد البدوي)[1] .

كان الأحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917 بعد اندحار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ووضعها تحت الأنتداب بعد ان كانت سنجقا في الدولة العثمانية، تمهيدا لسقوط فلسطين بأيدي اليهود وبداية لنكبتها وتشريد شعبها ، فقد أعطت بريطانيا وعدا لليهود وهو وعد بلفور المشؤوم، الذي أعطى الضوء الأخضر لليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين بالرغم مما كان يُشكله العرب ما نسبته حوالي الـ95% منهم (مسلمين ومسيحيين) و5% فقط من اليهود، اما نسبة ملكية الأراضي لليهود عام 1923 لم تكن تتجاوز 3% من الاراضي الفلسطينية[2]. .

كان القرار البريطاني قد اشعل فتيل المقاومة ضد الغزات الجدد من الصهاينة وألهب المشاعر العربية والقومية والاسلامية فجاءت الجيوش لتحريرها من الصهاينة المدعومين بكل قوة من بريطانيا وامريكا التي عملت جاهدة لقيام وطن قومي لليهود فقامت القوى العالمية بدعم الصهيونية وقدمت لليهود الصهاينة المال والسلاح للتصدي للمقاومة الفلسطينية والجيوش العربية. بعد الإحتلال البريطاني لفلسطين، قامت بريطانيا على توفير كافة الحمايات القانونية والامنية والمالية اللازمة لتحقيق أهداف الحركة الصهاينة.

لم تكتفي القوات الغربية والأمريكية بمساعدة الصهاينة في المال والسلاح بل راحت ترسم الخطط لتغيير الأنظمة العربية المناهضة للأحتلال الصهيوني لفلسطين وأصبحت القضية الفلسطينية أحد أهداف الحروب التي جرت لاحقا في المنطقة، من أجل أبقاء حالة من عدم الاستقرار البلدان العربية والاسلامية كما قامت القوى الغربية بأغراء بعض الدول الفقيرة بالمال لكسب تأييدها للكيان الجديد في فلسطين وكسب الأصوات في عصبة الأمم ولاحقا في مجلس الأمم المتحدة لصالح الصهاينة.

لقد حافظت الحركة الصهيونية على الاستمرارية في تحقيق اهدافها وأساليبها على مدى القرن الماضي. منذ البداية سعت الحركة الصهيونية لتحقيق أغلبية سكانية لليهود في فلسطين وإنشاء دولة يهودية على أكبر قدر ممكن من أراضي فلسطين. ولتحقيق هذه الأهداف تم إستخدام الكثير من الاساليب ومنها تشجيع الهجرة اليهودية وشراء أكبر مساحات ممكنة من اراضي فلسطين لتصبح وقف غير قابل لتصرف لكل الشعب اليهودي. كانت هذه السياسة السبب الرئيسي الذي منع السكان العرب الاصليين من تحقيق اهدافهم الوطنية واقامة دولتهم الفلسطينية، ولنجاح هذه السياسة اُستوجب تشريد الشعب الفلسطيني من أرضه عندما كان تواجدهم يقف أمام تحقيق الأهداف الصهيونية كما نجحت الأمبريالية العالمية والصهيونية العالمية في أرساء مفاهيم مغلوطة لا وجود لها في التاريخ الفلسطيني و العربي او الأسلامي وحتى المسيحي فقد تعرض هو الآخر إلى تشويه متعمد لشق الصفوف المرصوفة بين المسيحين والمسلمين والتي كانت سائدة قبل دخول القوات البريطانية إلى فلسطين.

كانت ردود فعل الشعب الفلسطيني تجاه الهجرة اليهودية وشراء الأراضي والمطالب الصهيونية السياسية منتظماً ومتطابقا بشكل ملحوظ منذ البداية، وأصروا على أن تبقى فلسطين دولة عربية لها نفس الحق في تقرير المصير والاستقلال كدول شرق الاردن، مصر والعراق التي منحتها بريطانيا الاستقلال بدون تصادم عنيف.

في الواقع كان الهيكل السياسي للشعب الفلسطيني قد إنهار بالكامل في اواخر الثلاثينيات بسبب قمع الاحتلال البريطاني للشعب الفلسطيني، وحلّه للهيئة العربية العليا وإعتقاله للمئات من السياسيين الفلسطينين.

هذا الإنهيار أدى لجهود في الاربعينات من قبل الحكام العرب لإعادة بناء الهيكل السياسي الفلسطيني وذلك لقلقهم إزاء تدهورالأوضاع في فلسطين وعواقب الإنهيار السياسي لشعبها.

كان دعم الحكام العرب للفلسطينين في المجالات الدبلوماسية والعسكرية محدودا إذ كانت الأولوية هي حماية مصالحهم الوطنية. لعدة عقود إستمر الشعب العربي الفلسطيني بالمطالبة بدولة تعكس الاغلبية العربية في فلسطين التي تناقصت تدريجيا حتى وصلت إلى 68 فى المائة بحلول عام 1947.

لذلك رفضت غالبية الفلسطينين قرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة في نوفمبر 1947 الذي منح الدولة اليهودية 55 ٪ من مساحة فلسطين التي شملت فلسطينيون تعدادهم مساوي لتعداد لليهود[3]. ومع ذلك فإن الشعب الفلسطينيي إفتقر للقوة السياسية والقوة العسكرية لدعم مطالبهم.

عندما سحبت بريطانيا قواتها فى 15 أيار1948 وأعلان الصهاينة دولة اسرائيل، تدخل الحكام العرب عسكريا لحماية تلك المناطق التي خصصت للدولة العربية.

لكن عندما إنتهت حرب 1948 وبعد توقيع اتفاقات الهدنة 1949، تقلصت المنطقة العربية الى 23 فى المائة فقط من فلسطين بحيث سيطر الجيش المصري على قطاع غزة وجيش شرق الاردن على تلال وسط فلسطين (او ما يعرف الأن بالضفة الغربية).

وقد هُجر 726,000 فلسطيني بحد ادنى من المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، وبعد الحرب ضم الامير عبد الله المناطق التي إحتلها جيش شرق الاردن والتي سميت فيما بعد بالضفة الغربية[4].

ما يحدث اليوم في فلسطين هو صراع من أجل البقاء ... وما يتعرض له من هدم للمنازل لاقامة مستوطنات أسرائيلية فيها الا لمحاولات إسرائيلية لطمس الهوية العربية الفلسطينية وهو ما يخالف الأعراف الدولية وما حالة المقاومة الباسلة التي يبديها الفلسطينون الا لمقاومة الأحتلال الاسرائيلي للأراض العربية الفلسطينية.  



[1] الكاتبة نادية مصطفى - شجرة الزيتون في القلب والوجدان الفلسطيني.

[2] فلسطين – قضية فلسطين بأختصار- https://sites.google.com/site/mmnmbmbm/aa-1

[3] Ann M. Lesch - Zionism And Its Impact - Jul 15, 2005

[4] المصدر السابق.


20/5/2021




8/07/2021

الهروب من الطغيان

 

الهروب من الطغيان

عرفتها عائلة هاجرت إلى العراق بعد ان تعرضت كما تعرض الآخرين من اقربائه وجيرانه لاسوأ هجمة شرسة من قبل العصابات الصهيونية التي جاءت لفلسطين بمدد ومساعدة غربية فاوقعت بأهلها قتلا وتشريدا وبدون رحمة...رافق رب الأسرة زوجته واولاده الأربعة، أكبرهم في الخامسة عشر من العمر في رحلة الهحرة.

لقد كان الخوف من المجهول هاجس الجميع، حيث لم تخطط العائلة ليوم مثل هذا، فقد كانت تسكن حيا من أحياء مدينة القدس وكان رب الأسرة مستقرا في عمله في مدرسة قريبة من داره كمعلم للصفوف الأبتدائية و زوجته ترعى أولادهما في غيابه وتشارك زوجها في تعليمهم في المنزل واداء الفروض المدرسة.

واليوم يجد نفسه بوطن لم يطئ أرضه من قبل، لكن عرف عنه القليل في كتاب الجغرافية التي يدرسُّها في مدرسته، فعرف بغداد والبصرة والموصل وأثار بابل وسامراء، فأختار بغداد وجهة له والأستقرار في أحد أحيائها الشرقية، كماعرف بيرق العراق بالوانه ونجومه الثلاثة الخضراء التي رصفت على لونه الابيض، وقد حكى لي قصة عن راية العراق، شعرت بها بالفخر في إنتمائي إلى العراق. وأخبرني بأحوالهم قبل الأحتلال الصهيوني ويصفها بالجيدة وسط أهل واصحاب وعلاقات أجتماعية طيبة مع الآخرين.

لقد كان لرجل عراقي يعمل معلما في نفس المدرسة سببا كافيا لأختيار العراق في نزوحه عن وطنه، وقد اثنى كثيرا على أخلاقه وتعامله مع زملائه حتى انه كان يلعب كرة القدم مع الأولاد في أوقات عطلة نهاية الاسبوع، في مروج خضراء تحيط بالمدينة ويتخذ من سيقان الاشجار الخضراء مَرامٍ غير نظامية، كما يجلس معهم يفترشون الحشائش ليصنع لهم طائرات ورقية من أوراق الجرائد القديمة ويقوم بتعليمهم كيف يمسكوا بها ويشدوا الخيط الذي يرفعها لتتمايل بين جنباتها وترتفع بعيدا عن المروج والزهور البرية حتى تصل فوق قباب مدينة القدس فيتغير لونها الاسمر بعد انعكاس الأشعة القادمة من القبة الذهبية في المدينة.

تعلقت الاطفال بافكاره خاصة، في تشكيل الطائرات الورقية وعندما أستهوت الأطفال هذه الالعاب بدأ يشكًل لهم من علم فلسطين طائرات ورقية جميلة يتسابق الاطفال في أطلاقها عاليا.

 واسترسل في قصته وقال لي: في يوم ما جاءني ابني الكبير وسألني ان أحضر له علم العراق ليشكل منها طائرة ورقية يجعلها تطير بين تلك التي صنعها صديقي العراقي كرد جميل لأفكاره التي أحتفت بعلم بلدي فلسطين، وبالفعل قام ولدي بتشكيل طائرة جميلة موشحة بالعلم العراقي وعندما سألت ولدي عن اسباب أختيار طائرة كبيرة في الحجم، فوجئت بجوابه وقال لي ان العراق أكبر وسنحتمي به يوما. لقد صدقت رؤيته عندما نزحنا إلى العراق واسكنني صديقي العراقي في داره قبل ان أجد دارا آخر أسكن فيه.

ارتفعت الطائرات الورقية الموشحة بالاعلام العراقية والفلسطينية في سماء القدس تحكي قصة بلدين هاجمها الأشرار، فكانت الوانها واحده تتلألأ كالنجوم في السماء لا تفصلها الا المسافات. لكن طائرات آخرى حملتني وحملته إلى بلاد بعيدة هروبا من الطغيان بعد ان بدأ الغزاة والطغاة يعبث بتأريخ البلاد والعباد.



        

             

مطب دراسي

 مطب دراسي


كان الجميع ينتظر بفارغ الصبر إنهاء امتحانات السنة الأخيرة في الجامعة والخروج من المعترك الدراسي الذي أخذ من أعمارنا ستة عشر عاما وربما أكثر من ذلك عند البعض في أنتظار الولوج إلى عالم جديد.

طلبت إدارة الجامعة من الطلبة التحضير لاعداد المشاريع الهندسية وتقديمها إلى الهيئة التدريسة كل حسب فروعها والتقديم لاجراء الامتحان النهائي في مادة المشروع الهندسي والذي يعتبر الفصل الأخير من رحلة دراسية استمرت اربعة سنوات صاحبتها الكثير من الأحداث الأجتماعية والسياسية دون ان تؤخرها.

كان اختياري لأحد المشاريع الدراسية والبحث في أحد المواضيع العلمية المتعلقة بنظم أجهزة الراديو،  والمشروع عبارة عن انتاج وتصنيع نوع من المستقبلات يمزج بين تردد الإشارة المستقبلة وتردد الإشارة الناتجة عن جهاز مذبذب محلي (اوسيليتر) وهو من مصنفات مادة الألكترونيك التي أدرسها في قسم الهندسة الكهربائية في الجامعة تحت أشراف استاذ باكستاني اسمه عبد العزيز.

في نظام الجامعة يجتمع عدد من الطلبة وبحدود اربعة طلاب يبحثون في مادة المشروع لإعداد تقريرا فنيا حول مادة المشروع، يصادق عليه الاستاذ المشرف اولا قبل دفعه إلى الطباعة. في اغلب الأحيان تكون العلاقة بين الطلبة وعامل الصداقة فيها  سببا كافيا لتشكيل مجموعة الطلبة، وعلى هذا الأساس الجميل في صفوف الطلبة يتم أختيار الطلبه لرفاقهم، فأصبح كل من الزملاء عبد الصاحب وعبد السلام وجلال رفاقي في عمل التقرير الفني لتقديمه إلى الاستاذ المشرف قبل عرضه للمناقشة والأمتحان فيه من قبل استاذ آخرتحدده رئاسة الجامعة، فكان نصيب الأستاذ المصري دكتورعزت ان يقوم بمناقشة المشروع معنا وتقديم التقييم لنا إلى رئاسة الجامعة.

أتفقت مجموعتنا على توزيع الادوار والأتفاق على مراجعة ما يكتب كل منا في نهاية كل أسبوع من جهة ومراجعة جميع المواضيع المكتوبة مع الاستاذ المشرف من جهة أخرى لتلافي الأخطاء الفنية او الموضوعات التي تخرج عن نصوص المشروع، في وقت مناسب حتى نتمكن من طباعة التقرير قبل موعد الأمتحان بوقت ملائم لنا و للأستاذ المشرف.  

عمل كل واحد من المجموعة على موضوع المشروع وتوزعت الادوار بين أعضائها وبحث كل منا في الموضوع المكلف به وبذلت الجهود فكانت كتب الهندسة الكهربائية في  مكتبة الجامعة مصادرا لنا في موضوع المشروع ورغم تلك الجهود لن تخلو الأجواء من المرح والفكاهة بين الاصدقاء ولن تخلو من التندر من أحدنا بسبب عدم جديته في انجاز المشروع والأستخفاف بأهميته ما يجعل صديق آخرأكثر حرصا أكبر يبديه لنيل درجة أعلى ، يفقد صوابه.

أنتهت المجموعة من كتابة التقرير بشكله النهائي وتمت مراجعته من قبل الأستاذ عبد العزيز الذي يتحدث الأنكليزية بلكنة هندية وبعد ان تمت مناقشة كافة فصول التقرير الفني أصبح جاهزا لطبعه في ماكنة ميكانيكية وسحب عدد من نسخ التقرير من خلال طابعة رونيو.

 لا اعرف سببا محددا لماذا أختارني اصدقائي لأقوم بجمع الفروض والقيام بعملية التنسيق وترتيب صفحات التقرير بشكل مقبول ويتيح لنا طبعه وأخراجه بشكل جميل، فقد شعرت بمسؤولية كبيرة ولا بد من الأنتباه الشديد والحرص على أيصال التقرير إلى مطبعة قريبة من ساحة المتحف القريبة من منطقة العلاوي المزدحمة بالمسافرين المتوجين إلى محافظات العراق ومناطق بغداد الأخرى.

أتخذت من مكان مكتظا بالاوراق والكتب في المطبعة، مجلسا لي أتابع أنتهاء عملية الطبع في ظل أجواء حرارة صيفية معتدلة بوجود مراوح سقفية قديمة تتحرك فيها جميع أجزائها وليست ريشها فقط.

حملت أوراق التقرير الفني الذي صادق على طباعته الاستاذ المشرف وهي مرحلة تسبق وتغليفه وطبعه بثمانية نسخ وهو ما مطلوب منا تقديمه إلى رئاسة الجامعة مع اربعة نسخ أضافية، نسخة لكل منا. خرجت من المطبعة وسرت بين جموع المسافرين في منطقة العلاوي أحمل تقريرا من ستين صفحة على الاقل من حجم الأي 4 ولم أشأ تغليفه قبل مراجعته من قبل المجموعة لنتأكد بان التقرير يخلو من الأخطاء المطبعية، وقد أصابني التعب والأعياء حتى نادى شخص ينبهني بتساقط اوراق التقرير من يدي وفزعت لما رايت فقد تطايرت بعض الأوراق وقد لحقت ببعضها وأدركت حينها اني افقد بعضها وشعرت حينها أني أمام مأزق كبير بين أصدقائي الذين اعتمدوا علي في أنجاز طباعة التقرير. شعرت بحرج شديد وتصبب جبيني عرقا وأخذت الافكار المختلطة تضرب رأسي.

لم يسعفني مجيء باص مصلحة الركاب بسرعة من التخلص من وسواس فقدان بعض اوراق المشروع . صعدت إلى الطبقة العليا من الباص ذو الطابقين وجلست أمام الزجاج الامامي فوق طبقة السائق وحاولت استرداد أنفاسي فوضعت أوراق المشروع على رف امامي (تابلو) ومسحت عرق جبيني وظلت عيني تراقب الطريق.

وصل الباص الى منطقة سكني لكن حدث شيئا لم يكن في الحسبان فبعد ان أكتض الباص بالركاب أصبح الننزول منه ليس بالشيء السهل فقد تحتاج ان تدفع هذا او ذاك لفتح الطريق امامك وقد كان سقوط رجل كبير خلفي سببا لترك مكاني له، وقد انساني هذا الموقف اوراق المشروع فنزلت دونها ولم انتبه الا بعد مغادرة الباص لمنطقة الوقوف فحاولت جاهدا أيقاف السائق بأشارات وصياح لكن دون جدوى...

وحاولت العثور على تاكسي لكن دون جدوى وبقيت في حيرة من أمري مرتبكا لا أعرف ما افعل حتى توارى الباص عن الانظار.

ماذا أفعل يا ألهي؟... ماذا ساقول لاصدقائي؟ ماذا سيحصل لنا؟ سنعيد الامتحان في هذه المادة؟ لا...لا

هكذا كنت احدث نفسي وأحدث به عائلتي ... لم انم ليلة ذلك اليوم وخرجت إلى الجامعة بعيون غابت عنها النوم فعرف الاصدقاء ان شيئا ما قد حدث لأوراق المشروع بعد ان تممت بكلمات غير مفهومة عن مصير الطباعة.

وانا في طريقي إلى الجامعة، كنت أفكر في ايجاد مبررات فقدان اوراق المشروع وماذا ساقول لأصدقائي وكيف ابدأ بالحديث عن ذلك قررت حينها ان أقول الحقيقة ولا شيء غيرها.

لكل واحد من المجموعة أحاسيسه تجاه دراسته وحرصه على أتمامها بنجاح، فكان الصديق عبد الصاحب شديد الحرص بدرجة أكبر من بقية افراد المجموعة وقد تصدر منه ردود فعل عصبية بسبب حرصه هذا، اما الصديق جلال فانه يقف على الطرف النقيض منه فهو شخص غير مبال وتصرفه يزيد من عصبية عبد الصاحب وقد زادت انفعالته عندما شاهد رد الفعل البارد لجلال تجاه ضياع اوراق المشروع، حين قال: ليست هناك مشكلة نعيد الامتحان في الدور الثاني ... بينما اقف انا والصديق عبد السلام بينهما على مسافة واحدة لكنه لا تخلو من القلق.

أصر الصديق عبد الصاحب على إعادة كتابة المشروع الذي لم يعد لنا فيه إلا يومين على تقديمه لرئاسة قسم الهندسة الكهربائية مهما كلف الأمر من جهد متواصل. فتم الاتفاق على إعادة كتابة المشروع الذي فقدت مسودته مع الاوراق المطبوعة أيضا،  فبدأت المجموعة ببذل الجهود ليلا مع نهار معتمدة على الذاكرة ومعرفة الكتب التي أعتمدنا عليها سلفا... كنا نقضي ساعات حرجة حتى منتصف الليل بدون كلل ولا ملل فعيون الجميع على زمن تقديم المشروع.

وبعد جهود متميزة تمت كتابة المشروع من جديد لكنه بالتاكيد لا يخلو من أخطاء ولا يشبه سابقه على الاقل في التفصيلات والذي تمت مراجعته من قبل الاستاذ المشرف. 

لم نستطع ان نخبر الاستاذ المشرف بموقفنا هذا فقررنا كتمان الخبر عليه وأعتبار ما كتبناه هي نسخة اصلية خوفا من رفضها في الوقت القاتل.

طلب عبد الصاحب هذه المرة ان يرافقني إلى المطبعة للتاكد من سلامة وصول التقرير في الوقت المحدد له وبدلا من انتظار مراجعته مرة أخرى قررنا تغليفه بغلاف ابيض كتب عليه أسم مادة المشروع واسماء الطلبة الذين أنجزوا العمل ودفعنا به إلى الاستاذ المشرف الذي قام بدوره وتسليمه إلى اللجنة الأمتحانية.

جاء موعد الامتحان والجميع يراوده قلق غير مسبوق، الامتحان من جهة و نوع التقرير الذي لم يراجع من جهة أخرى والنتيجة الحتمية في مثل هذه الحالات الفشل والرسوب، الجميع في وضع حرج باستثناء الصديق جلال الذي لم يبالي كثيرا بنتيجة الامتحان. كان اسلوب الامتحان ان يقوم دكتور عزت بامتحان المجموعة بشكل منفصل ويدخل الطالب عليه ليتلقى أسئلة خاصة بالمشروع وبطبيعة الحال، على الطالب ان يرد اجابة صحيحة لنيل درجة النجاح بالمشروع. كنت واصدقائي نسأل بعضنا بعض عند خروج أحدنا من غرفة الامتحان عن السؤال الذي كان من نصيبه ونسأل ايضا فيما إذا كان دكتور عزت قد كشف أخطاءنا او تعرف على ما فعلناه في الايام الماضية.

كان دكتور عزت من مصر، يتمتع بذكاء شديد وذو روح مرحة، لا يخفى عليه امورا مثل هذه ويستطيع كشفها بسهولة وقد عرفت ان أمرا قد حدث بعد دخول الصديق جلال عنده فقد دخلت بعد جلال وقبل ان يمتحنني الدكتور عزت سألني سؤالا محددا عرفت بعده ان هذا السؤال قد سأله لجلال  قبل دخولي:

هل راجع استاذ عبد العزيز هذا التقريرقبل الامتحان؟

هكذا كان يسأل المجموعة واحدا واحد لكن لم أستطع ان الحق بجلال وافهم منه ماذا قيل له وبماذا أجاب!! فكان علي ان أراوغ لاني لا أجيد الكذب فقلت له بدون تردد: وهل هناك شك في ذلك؟ ضحك دكتور عزت وبدأ يسألني في الامتحان...

أنتهت مرحلة الامتحان على خير وتخرجت المجموعة من الدور الاول وفرقت أعضائها الايام،  لكن وسائل التواصل الجماعي كان لها الفضل في جمعنا مرة أخرى بأستثناء جلال الذي لا زال البحث عنه مستمر.

7/8/2021