بحث هذه المدونة الإلكترونية

4/26/2021

العلاقة السرية بين الحكومة الأمريكية وإيران

 

العلاقة السرية بين الحكومة الأمريكية وإيران

يتسائل البعض عن أساب عزوف الولايات المتحدة الأمريكية عن أتخاذ قرار حازم للرد على الأعمال المسلحة ضد قواتها والتي تقوم بها المليشيات الولائية لإيران، او لماذا لا تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بضرب قوات الحرس الثوري الإيراني في العمق الإيراني كرد على دعم هجمات المليشيات بالطائرات المسيرة الإيرانية، واسئلة أخرى مشابهه كتلك التي يضعها مذيعي القنوات الفضائية أمام المحللين السياسين، ومن الملاحظ على مدى عقدين ورغم تغيير وجوه الرئاسة الأمريكية في اربعة رؤساء، ورغم وجود بعض المواجهات بين القوات الجوية الامريكية وبين المليشيات الولائية في العراق يبقى التصدي للهجمات على القوات الامريكية في قواعدها في العراق ومنها في مطار اربيل محدود وخجول أحيانا لا يتجاوز التهديد بالرد في الوقت المناسب وكأن أمريكا تتعامل مع دولة وليس مليشيات مصنفه من قبل الادارة الامريكية على أنها ارهابية، لكن ما أسباب انكفاء القوة الأمريكة الهائلة بالتصريحات والتهديدات رغم استمرار هجمات المليشيات عليها؟

قبل الأجابة على هذه التسائلات لا بد من الرجوع إلى الوراء وبالتحديد إلى سنة 2003 وقيام غزو الأراضي العراقية من قبل القوات الأمريكية والبريطانية ، يجب إلقاء نظرة سريعة على أهم التصريحات الرسمية التي صدرت عن الجانبين الأمريكي والبريطاني خلال تبريرها لعملية الغزو والأحتلال والتصريحات الإيرانية ايضاً لنعرف أكثر عن سر العلاقة الجيدة الغير المعلنة بين الجانبين الأمريكي والإيراني والتي من أولياتها أبقاء الضغط الإيراني والترهيب لدول المنطقة في الخليج العربي لابتزازها من قبل الجانب الأمريكي والبريطاني من خلال صفقات السلاح بمليارات الدولارات المستنزفة من ثروات هذه البلدان مقابل تعيين أيران شرطيا على المنطقة وأطلاق يدها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

لنعود إلى التصريحات وسكتفي بتصريح واحد من الجانب الأمريكي وآخر من الجانب الإيراني، لان المقال لا يبحث في اسباب الحرب وسنأخذ تصريح الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر في قناة الجزيرة عند لقاءه في برنامج وسؤاله عن أسباب غزو العراق كمدخل لتحليلنا على العلاقة السرية بين الولايات المتحدة وإيران.

لم يطرح بول بريمرأسباب اقتصادية متعلقة بتبديد الثروات النفطية او سياسية مثلما كان يقولون ان الحكم في العراق ديكتاتوري ويجب الاطاحة به او ان القوات ذاهبة لنزع الأسلحة الكيمائية والنووية لكنه قال شيئا آخر فاجئ به مذيع الجزيرة الذي استضافته في أحد برامجها وعندما سأله المذيع: اليس بنادمين على احتلال العراق وان بازاحتكم بصدام، ساعدتم ايران  من حيث لا تدرون ؟ كما فاجأ مستميعها حين أجاب بريمر وبالحرف الواحد: عندما أطحنا بصدام أطحنا معه ايضا بالتسلط السني في بلاد ما وراء النهرين بدايةً من الخلافة العباسية ثم الاتراك ثم البريطانين مع الهاشمين ثم المملكة الهاشمية، لذلك كانت الاقلية السنية متسلطة على البلد لالف سنة، في اعتقادي هذا الوضع كان ايضا غير سليم لذا مجرد الأدانة أمر غير كاف.

بغض النطر على الأخطاء التي وقع بها بريمر في تفسيره، يتضح جليا لماذا ارادت امريكا غزو العراق وهو ازاحة المسلمين السنه حسب تصوره في الحكم وتسليمه إلى الشيعة، وقد تناسى بريمر ان عمر العراق كدولة هو مئة سنة ليست اكثر ولم يكن هناك شيء اسمه دولة العراق قبل هذا بل كان احد الولايات العثمانية وبعدها أصبح تحت الحكم البريطاني ولغاية أستقلاله عام 1932 وقبل ذلك كله، كانت بغداد عاصمة الخلافة العباسية الممتدة من الصين ولغاية اوربا ولا وجود للعراق، ولا وجود ايضاً لشيء اسمة شيعه في هذه الأزمان، كما تناسى بريمر ان تاريخ التشيع في جنوب العراق بدا بالقوة من قبل الصفويين في القرن السادس عشروتناسى بريمر سيطرة الشيعة على الحكم في بغداد أثناء حكم البويهيين، واذا شعر بريمر بتسلط السنة على العراق خلال مدة مئة عام فلماذا لم يشعر بنفس القدر من الاحساس من تسلط الشيعة على السنة وغيرهم من الأقليات في ايران وهم يحكمون منذ العهد الصفوي ولحد الآن أي ما يزيد على 520 عاما.

اما إيران فقد خرج منها العديد من المسؤوليين ما يصرح بوقوف إيران او دورها في احتلال العراق ومساعدة الجانب الأمريكي في ذلك من أجل اسقاط النظام واستلام الشيعة للحكم في العراق. وخرجت بعض التصريحات البريطانية حول ملف انتهاك النظام العراقي السابق لحقوق الأنسان وما يصيب الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال من قتل او تنكيل، واليوم تغض النظر على أنتهاك حقوق الأنسان في العراق من أعتقالات و تغييب أهل السنة،  والآن أصبح وأضحا للقارئ الكريم لماذا تم غزو العراق!!! ومن هنا ايضاً نقول ان المحاور واحدة حول أسقاط النظام السابق واحتلال العراق وتجلت الآن للجميع أهداف تغيير النظام في العراق. 

نترك اسباب الاحتلال الأمريكي ونعود إلى أستكمال تحليلنا للمعرفة أكثر عن العلاقة السرية بين الحكومة الامريكية وإيران.

رغم تعرض القوات الأمريكية في العراق إلى هجمات المليشيات المدعومة من إيران ورغم التدخل الفاضح للحكومة الإيرانية في الشأن العراقي وتحت أنظار الحكومة الأمريكية ورغم قيام الحكومات العراقية بقتل العشرات من الناشطين المدنيين العزل وأختطاف العشرات وقتل المتظاهرين تحت أنظار الأمم المتحدة وامريكا وبريطانيا والعالم ورغم التغييب القصري لأهل السنة وزيادة النازحين من المدن ومناطق سكناهم تحت انظار العالم ايضاً، رغم كل ذلك لا تحرك الحكومة الأمريكية ساكنا والأسباب معروفة وهي تعكس الرأي الرسمي للحكومة الأمريكية حول مستقبل العراق منها تمكين استمرار الحكومات التي جاءت بها بعد الاحتلال باي شكل لتقول للعالم انها وراء من تجيء بهم إلى الحكم، ولضمان استمرار مصالحها وكذلك تمكين أيران من مصادرة القرار الرسمي العراقي من خلال فرض مشاركة مليشياتها في البرلمان العراقي وبالتالي بأمكانها مصادرة القرار العراقي وفرض التوجيه الإيراني بدلا منه وتعزيز دور إيران في المنطقة ايضا، إذ سمحت  في مشاركة الجهد الإيراني في مقاتلة داعش جنبا إلى جنب مع قوات التحالف الدولي ونلاحظ في مكان آخر صراعا لكن ليس من اجل العراق والعرب بل من أجل الحليف الاستراتيجي إسرائيل وهو الصراع من أجل منع إيران من أمتلاك السلاح النووي.

وهنا تبرز لنا مفارقة عجيبة في السياسة الأمريكية ففي الوقت التي كانت تنتقد العراق وتحشد له العالم ضد ما دعته من أمتلاكه لاسلحة دمار شامل ومنها السلاح النووي قبل عام 2003 ، تقف اليوم مستجدية ومتوسلة الحكومة الامريكية للدخول في مفاوضات لوقف النشاط النووي الإيراني الذي يرفض كل أشكال التفاوض قبل رفع العقوبات الدولية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.

يخطأ من يقول ان أمريكا بقوتها وترسانتها العسكرية المدمرة الهائلة التي تمتلكها منذ قرن من الزمان، المنتصرة في الحربين العالمتين الأولى والثانية، لا تستطيع ان تفعل شيئا أمام دولة بالكاد بدات تمتلك بعض الاسلحة منذ عشرة سنوات فقط، لكن الحكومات الأمريكية لا تريد تحجيم دور إيران في المنطقة فوجود الترسانة العسكرية الإيرانية يخدم المصالح الأمريكية بشكل أكبر من تدميرها، لكن الإدارة الأمريكية تراهن على الأنتخابات الإيرانية لعل وعسى ان تأتي حكومة معتدلة يمكن التفاوض معها حول الملف النووي دون ان تدخل في حرب معها وبالتالي تطوير العلاقة معها للشروع في المرحلة الثانية من تدمير اقتصاديات دول المنطقة وتمزيقها إلى دول شيعية حليفة لها ودول سنية ضعيفة يمكن أحتوائها بسهولة.

أن الأعتقاد الأمريكي الديني الخاطىء بان الأسلام (المتشدد) والمتمثل بأهل السنة هو أخطر على المصالح الأمريكية من القوى الشيعية،  وهذه ايضا مفارقة عجيبة بين ما تدعيه من اتباع العلمانية في أدارة الدولة والمساواة بين البشر وبين ما تروج له في دول العالم في تمييزها على اساس مذهبي وطائفي.

يمكن القول بعد كل ذلك ان الصراع بين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الإيرانية هو مجرد مناوشات كلامية لا ترتقي إلى مستوى النزاع المسلح ومن يعتقد خلاف ذلك فهو لا يفهم في السياسة شيء وعليه ان يراجع مواقف هذه الدول من بعضها من خلال التصريحات القريبة من صناع القرار.  اما الأتفاق النووي الإيراني الذي تمت صياغته لأول مرة في فترة رئاسة اوباما قد ألغي من قبل الرئيس ترمب ثم عاد الرئيس بايدن يطالب بالعودة إلى الاتفاق مع بعض التعديلات التي رفضتها إيران وزادت عليها كشرط للعودة إلى المفاوضات ان ترفع العقوبات التي فرضها ترمب عليها وبدأت السياسة الأمريكية ضعيفة أمام المطلب الإيراني العنيد ولم تتوصل إلى أتفاق لحد أعداد هذه المقالة.

كان التاثير الإسرائيلي الذي يرفض الأتفاق النووي مع إيران جملة وتفصيلا والذي كان أحد اسباب قرار ترمب بالغاء الأتفاق، على الحكومة الأمريكية كبيرا مما زاد في تعقيد المفاوضات الجارية بين أمريكا واوربا  والجانب الإيراني وبدلا من الوصول إلى الأتفاق أنطلقت التهديدات من أيران و أسرائيل التي ابقت أمريكا بموقف لا يحسد عليه وبدأت أسرائيل بعدد من الهجمات استهدفت المنشئات النووية الإيرانية وقامت إيران بضرب سفن تجارية إسرائيلية في مياة بحر العرب والخليج وردت إسرائيل بالمثل فاستهدفت بقنابل ألكترونية سفينة تابعة للحرس الثوري الإيراني في البحر الأحمر قبالة اليمن.

ونتيجة هذه الأحداث قام وزير الدفاع الأمريكي بزيارة إلى إسرائيل ويمكن قراءتها بعدة سيناريوهات منها أعطاء الضوء الاخضر إلى أسرائيل باستهداف المنشئات النووية الإيرانيىة بشكل محدود نيابة عن الولايات المتحدة للضغط على المفاوض الإيراني ودفعه إلى القبول بشروط الولايات المتحدة، وكذلك يرجح ان تم الأتفاق بين الجانبين الأمريكي والإسرائيلي على وضع الخطط العسكرية لأحتواء قيام حرب في المنطقة حفاظا على الترسانة العسكرية الإيرانية من التدميروأبقاءها فزاعة في المنطقة تستنزف القدرات العربية الأقتصادية والسياسية.  




  
  

4/17/2021

قصة قصيرة: الطابور

 

الطابور

وقف في طابور طويل ينتظر دوره في الحصول على معونة حكومية، لم يجد شيئا يعمله غير الأنتظار والنظر في وجوه متعبة تقاطرت على الطابور من اجل الحصول على قوت يكيفيها يومين اوثلاثة. بدا الطابور واقفا فاستاء الواقفون من حركتة فتعالت الاصوات شيئا فشيئا وحاول ان يطل من فوق الرؤوس لمعرفة سبب بطئ حركة الطابور وجال بنظره يمينا وشمالا دون ان يتبين له ما أراد معرفته فقد كان يقف بعيدا عن السيارة التي جاءت بالمعونة الحكومية. ظل قلقا في ان لا يلحق دوره في الأستلام فهو يعرف حالات كثيرة فشلت في الوصول إلى نافذة التوزيع، إذ أن هذه ليست المرة الأولى له في الوقوف في طابور، فقد قضى معظم سنين حياته ينتظر في طوابيرطويلة  للحصول على طعامه وطعام اسرته.

طلب رجل يقف أمامه ان يحافظ على مكانه حتى يعرف ما يدور قرب السيارة، وظل واقفا يسمع لحديث هذا وحديث ذاك فأختلطت عليه الأحاديث التي طالما ما تكون بصوت عال عند هذه الطوابير...مضت فترة طويلة على غياب الرجل ولم يعد إلى مكانه فتسائل مع نفسه: ماذا حل به؟ اين الرجل؟ ثم أردف مع نفسه: ولماذا أهتم لهذا الأمر؟ فاني كسبت موقعه!! وسأحصل على معونتي بشكل أسرع!!

لكن الرجل عاد إلى مكانه وقد تصبب عرقا وتمزقت أحدى جوانب قميصه، متذمرا وبصوت سمعه الجميع: وجدت من يتجاوز على الطابورفتشاجرت معه ولكن وقف البعض معي وتمكنا من طرده.

لم يكترث كثيرا بما سمع من الرجل ولم يرد عليه وظل محافظا على مكانه في أنتظار دوره لكن ظلت عيناه على السيارة.

مرالوقت عليه مملا، رتيبا والطابور يزداد بطئا بسبب التجاوزات التي تحدث عند مقدمة السيارة عندها شعر ان الوقت  بدأ ينفذ والمعونة قد تنفذ في أي لحظة لكن ماذا عليه ان يفعل الا الأنتظار.

سمع أصواتا وحركة غير طبيعية في منتصف الطابور وخرج منه شاب جارياً يهرب من آخر يلاحقه ويصرخ في عقبه: أمسكوا الحرامي ... سرق محفظتي...

لم يتدخل فهو بحاجة إلى ان يحصل على المعونة وقد ساعد قراره هذا بالتقدم بشكل اسرع صوب السيارة بعد أن أنسحب العشرات من الطابور في اثر الحرامي.

خاطب نفسه: أليس كان الأجدر بك ان تجري مع الناس لمسك الحرامي وتمنع السرقة؟ لكني ابحث عن قوت عائلتي!! اذا كل واحد تصرف مثل تصرفك سيتشجع السراق في الاستمرار بسرقة أموال الناس!! اذا لم يتعاون المجتمع في القضاء على الفاسدين فمن سيفعل ذلك؟ انها الحكومة!! عجبي ان أغلبهم من أولئك الفاسدين!!!

قطع الرجل الواقف في السيارة حديثه مع نفسه وسمع منه: متأسف لقد نفذت المعونة ولم يعد لدينا المزيد للتوزيع ! ربما في يوم آخر!!

استشاط غضبا في وجه الرجل صارخا: لو لم تساعد المتجاوزين على الطابور في أخذ أدوار غيرهم ما كان يحصل هذا لي.

سحب الرجل نافذة توزيع المعونة وهي عبارة عن باب كبير من جزيئن واغلقه في وجهه بقوة.

ثم عاد يتمتم: كان علي ان أجري مع الآخرين وراء الحرامي لمنع السرقة.





4/15/2021

رواية أمين نينوى

أمين نينوى 


لأول مرة رواية جديدة تجتمع مع مقالة أدبية في كتاب واحد بعنوان أمين نينوى....

والروايه تدور حول شاب من نينوى (الموصل) أسمه أمين تخرج حديثا من كلية القانون والسياسة ثم ألتحق بصفوف المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي ثم وقف ضد داعش وبعد انتهاء المعارك مع داعش وخروجها من نينوى التحق أمين بمجموعة تطوعية لمساعدة النازحين وأعمار مدينة الموصل القديمة الذي ضربها القصف بشدة ثم تفرغ إلى عمله كمحامي يدافع عن حقوق الناس..
الرواية متوفرة حاليا على Google Books
---------
لم يكن الخامس من أغسطس من عام 2004 أعتياديا بالنسبة إلى أمين ولا إلى المقاومة المستعرة، فقد بدأ اليوم أمين بقنص لجنديين أثنين من القوات المحتلة، مما سبب أرتباك شديد بين صفوفها وبدأت تطلق النار في كل الأتجهات لأسكات مصدر القنص، لكن تعزيزات كبيرة جاءت إلى موقع الرمي وهي عبارة عن عشرة آليات وعدد كبير من الجنود المدججين بالسلاح والرمانات اليدوية. لكن مفاجئة كبيرة كانت تنتظر هذه القوات بعد أستدراجها إلى وسط الميدان فخرجت مجاميع المقاومة من كل مكان وأطبقت على القوات المحتلة من جميع الجهات وجرى أشتباك عنيف بين الطرفين، اوقع خسائر في الآليات والجنود . خرج أحد المقاومين وأخذ موضع رمي بقاذفته لإصابة آلية عسكرية واطلق النار عليها فاصابها اصابة مباشرة رمت بسائقها إلى الخارج متلطخا بدمائه وخرج مقاوم من مكان آخر واصاب آلية ثانية وثالثة وقتلت الجنود فيها حتى أصبح عدد الآليات المدمرة سبعة آليات وقتل أثنا عشر جنديا وجرح العشرات.
أصيب اثنان من المقاومين وتم إخلائهما من قبل زملائهم وبدأ رجال المقاومة بالأنسحاب تحت غطاء رصاص كثيف من أسلحة أوتوماتيكية لم تعطي فرصة للقوات المحتلة من التركيز والهجوم على المقاومة.
كان لهذه المعركة صدى كبير بين أهالي الموصل وشعروا لاول مرة بوجود مقاومة كثيفة ضد قوات الأحتلال وبدأ المواطنون يتداولون أخبار المقاومة كل يوم ويشعرون بزهو وفخر كبيرين لما يقوم به شباب الموصل، اما أمين فقد عاد إلى داره بعد الأنتهاء من عملية القنص سعيدا بما قام به.

النّفط العراقيّ إلى أين؟

 

 النّفط العراقيّ إلى أين؟

نبذة تاريخيّة عن نفط العراق

 يعود اكتشاف النفط في العراق إلى عام 1927 عندما قامت شركة بريطانية بالكشف عن حقل نفطي كبير في كركوك، وبعد اثني عشرعاماً جاء حقل عين زالة في الموصل ثم حقل الزبير العملاق في البصرة في عام 1948 ثم الرميلة في البصرة عام 1953. عقب الإطاحة بالنظام الملكي الجمهوري في العراق عام 1958 وقيام النظام شُكِّلت أوّل وزارة خاصة بالنفط في عام 1959 ثمّ أعقبت ذلك طلبات حكومية من الشركات العاملة مثل شركة نفط العراق وشركة نفط البصرة والتي يشغّلها أفراد من شركات أمريكية وبريطانية وغيرها لإعادة النظر باتفاقية الامتياز الممنوحة لهم بموجب بنود الاتفاقية والتي تسمح بمراجعتها لتحسين الشروط وتطبيق ما اعتقدته الحكومة من حقّها وفق هذه الإتفاقية. لم تسمح الشركات الأجنبيّة بهذه المراجعة و أدّى ذلك إلى فشل المفاوضات مع الحكومة الّتي كان ردّ فعلها إصدار القانون الشهير رقم 80 في 11 كانون الأول من عام 1961 الذي وضع 99.5% من أراضي الامتياز تحت سيطرة الحكومة العراقية وترك للشركات الأجنبية مساحات الحقول المنتجة للنفط فقط ما أدّى إلى تدهور العلاقة بين الحكومة والشركات النفطية وتأسيس شركة النفط الوطنية العراقية الّتي عُهِد إليها بجميع الأراضي الخارجة عن سيطرة الشركات. لم تتّخذ الحكومة أيّة إجراءات أخرى ضد الشركات حينها، لكنّ الأوضاع السياسية التي أعقبت ذلك أجبرت الحكومة على القيام ببعض الإجراءات عام 1964.

بدأت الشركات المذكورة باتّباع سياسة جديدة لإجبار الحكومة على الموافقة على شروطها وراحت تتلكّأ في تنفيذ طلبات الحكومة لزيادة الإنتاج وتحسين شروط الاتّفاقيات المعقودة معها في الوقت الّذي ازدادت فيه رغبة الحكومة في لعب دور أكبر. إنّ تأسيس شركة النفط الوطنية قد عزّز من موقف الحكومة وقوّى عودها وبدأت عمليات استكشاف واسعة بمساعدة روسيا وفرنسا في الأراضي التي تمّت السيطرة عليها ما اعتبرته الشركات الاحتكارية تهديداً لمصالحها. وبعد مفاوضات مضنية بين الحكومة والشركات الاحتكارية أصدرت الحكومة القرار رقم 69 في 1972/6/1  والذي تمّ بموجبه تأميم عمليّات شركة نفط العراق وتبع ذلك تدريجياً تأميم الشركات النفطية العاملة في شركة نفط البصرة والموصل وصولاً إلى التأميم الكامل لجميع أعمال شركات النفط الدولية النفطية ومصالحها في العراق بموجب القانون رقم 200 لعام 1975 وبذلك أصبحت جميع قطاعات النفط تحت سيطرة الحكومة العراقية.

الاحتياطيّ النّفطيّ العراقيّ

 يعدّ العراق ثاني أكبر منتج للنفط الخام في أوبك والمنطقة (بعد السعودية)  ويمتلك خامس أكبر احتياطي نفط موثوق في العالم بعد فنزويلا والسعودية وكندا وإيران. يقدّر احتياطيّ نفط العراق بـ 153 مليار برميل نفط  ونحو 131 تريليون مترمكعب من الغاز حسب أرقام غير معلنة رسمياً، ويشكّل الاحتياطي النفطي لمحافظات البصرة وميسان وذي قار مجتمعة حوالي ثمانين مليار برميل، أي  71% من مجموع الاحتياطي العراقي. تمتاز الحقول النفطية العراقية بوفرة الموارد الهيدروكربونية المعروفة لكن مع هذا فإنَّ الكثير منها لم يستغلَّ بشكل جيد لأسباب كثيرة منها سوء الإدارة والتخطيط، وتتنوّع هذه الحقول بين منتِج أو تحت التأهيل. تقع أغلب الحقول الكبيرة من حيث المساحة والإنتاج في جنوب العراق وتمتاز هذه المواقع بتمركزها في مناطق غير مأهولة نسبياً بعيداً عن تركّز السّكّان. تمتاز هذه الحقول ايضاً عن غيرها من الحقول في كركوك والموصل بكلفة الاستخراج المنخفضة نسبياً بسبب طبيعة الجيولوجيا (طبيعة الأرض). يمتلك العراق خمسة حقول نفط عملاقة في الجنوب تشكّل 60٪ من إجمالي الثروة النفطية أمّا في الشّمال قرب كركوك والموصل فيوجد ما نسبته 17% من النفط وفق ما أعلنته وزارة التخطيط.  يضمّ  العراق قرابة 530 تركيباً جيولوجياً تعطي مؤشّرات قوية على وجود كمّ نفطي هائل، ولم يحفر من هذه التراكيب سوى 115 من بينها 71 ثبت احتواؤها على احتياطات نفطية هائلة تتوزّع على الكثير من الحقول لم يستغلّ منها سوى 27 حقلاً منها عشرة عملاقة.[1] تتولّى وزارة النفط العراقية الحالية مسؤولية إدارة الثروة النفطية بصورة عامّة.

تتركّز حقول النفط والغاز المنتجة حالياً في محافظتي البصرة وكركوك وتأتي بعدها في الأهمّيّة حقول محافظات ميسان وبغداد وصلاح الدين وديالى ونينوى. أمّا الحقول غير المكتشفة أوغير المطوّرة فتوجد في أغلب محافظات العراق ما عدا أربع هي القادسية وبابل والأنبار ودهوك. تعدّ البصرة المنبع الرئيس للذهب الأسود في العراق أو "خزّان نفط العراق" فكمية النفط والثروة التي تمتلكها هذه المدينة هائلة، وهي رئة البلاد الاقتصادية بفضل موقعها الجغرافي ومنافذها الحدودية السبعة. في البصرة 15 حقلاً منها عشرة منتِجة وخمسة ما زالت تنتظر التطوير والإنتاج. وتحتوي هذه الحقول احتياطياً نفطيا ًيقدّر بأكثر من 65 مليار برميل، أي ما نسبته 59% تقريباً من إجمالي الاحتياطي النفطي العراقي. أمّا الإنتاج الشهري لحقول البصرة من الخام فقد بلغ 3.521 ملايين برميل يومياً في شهر يونيو 2018.

تضمّ البصرة مجموعة من الحقول العملاقة منها "حقل مجنون" وفيه  احتياطي نفطي مؤكّد يتراوح بين 23 و25 مليار برميل وينتج  نحو 100 ألف برميل  يوميّاً، ولو طُوِّر فستصل طاقته الإنتاجية إلى 600 ألف برميل يوميّاً. وهناك حقل "نهران عمر" العملاق الّذي تصل طاقته الإنتاجية إلى نحو 500 ألف برميل  يوميّاً، أمّا المكامن الرئيسة المنتجة في هذا الحقل فهي مكامن "الزبير" و"نهر عمر" وله محطة إنتاج واحدة  وعدد آبار النفط فيه 15 بئراً، أمّا احتياطيّه المؤكّد من النفط الخام فبلغ 6 مليارات برميل. و من الحقول الضخمة في البصرة حقل "غرب القرنة" وحقل "الرميلة الشرقي" ويصل إنتاجهما إلى 370 ألف برميل يوميّاً. وبحسب تقارير عالمية، تضاهي حقول البصرة العملاقة أكبر الحقول في العالم، واللّافت للنظر أنّه يمكن بسهولة مضاعفة حجم الإنتاج في حقول البصرة لو تمّ اعتماد تكنولوجيا متطوّرة للتنقيب عن النفط  الخام واستخراجه وتصديره من موانئها. لكنّ تردّي البنية التحتية للصناعة النفطية وتراجع عمليات الصيانة للخزّانات النفطية وقِدَمها وتخلّف تقنيات محطّات الإنتاج والضّخّ نتيجة عدم كفاءتها وتدنّي نوعيّتها وقِدَمها جعلها تتخلّف كثيراً عن التطورات العلمية والتكنولوجية التي شهدتها الصناعة النفطية خلال العقود الماضية.

تقدّر كمّيّات الغاز العراقية ب 112 تريليون قدم مكعب، ثلثاها موجود مع احتياطيات النفط في كركوك وجنوب حقل نهران عمر ومجنون والرميلة  وغرب القرنة والزبير وحلفايا في الناصرية. بينما يوجد 20 % من احتياطيات الغاز في مناطق ليس فيها حقول نفط وهي متركّزة في الشمال بجمبور وجمجمال وباي حسن وعجيل وبابا كركر وقاسم عمر والمنصورية. 

إنّ وجود مثل هذه الاحتياطيات من الغاز يرشّحه لكي يكون ثاني أهم ثروة هيدروكربونية بعد النفط في العراق، حيث يستطيع العراق مباشرة إنتاجه لأغراض الاستهلاك المحلّيّ أوّلاً وللتصدير ثانياً. وهناك مشروع قيد الدراسة هو مشروع الغاز العربي الذي سينقل الغاز من حقول "عكّاز" في محافظة الأنبار عبر سوريا إلى الحدود التركية ومن ثم إلى أوروبا. كلّ هذه مشاريع ما تزال قيد الدراسة لكنّها قابلة للتحقيق مستقبلاً.

إيرادات العراق من الصّادرات النّفطيّة

وفق تقرير وارد من شركة تسويق النفط العراقية  في وزارة النفط  (سومو) في عام 2003  كانت الإيرادات النفطية العراقية قد بلغت نحو 37.33 مليار دولار. وشكّلت عائدات الصادرات النفطية نسبة 75 % من الناتج المحلي الإجمالي للعراق و 86 % من الموارد الحكومية لعام 2008 بناءً على مصادر صندوق النقد الدولي. وأشارت أرقام الميزانية الحكومية العراقية إلى أنّ ما رُصِد لصالح قطاع النفط في 2008 بلغ 2.6 مليار دولار وارتفع إلى 3.2 مليار دولار في 2009، أي بزيادة مقدارها 50% عن السنة السابقة.

في تقرير نشر في صحيفة "بوبليكو" الإسبانية وتناولته قناة الجزيرة تقول الكاتبة أرمانيان ناثانين أنّ العائدات النفطية  الداخلة في ميزانية العراق بين عامي 2003 و2018 قد بلغت نحو 850 مليار دولار. وبموجب وكالات حكومية أمريكية ومنظّمات دولية، فقد قُدّرت تكلفة إعادة بناء العراق بمائة مليار دولار، ثلثها يذهب لإعادة بناء المنشآت النفطية والكهرباء والغاز، فيما يرى محلّلو البنك الدولي أنّ العراق يحتاج إلى مليار دولار إضافي سنويّاً للحفاظ على وتيرة العمل الحالية في المنشآت النفطية لتستمرّ في إنتاج النفط. أمّا احتياطيات الغاز وفق تقرير الطاقة الأميركي المشار اليه  فتأتي العاشرة على مستوى العالم، 70 % منها في البصرة. وأكّدت وزارة النفط في أحد بياناتها الصادرة عام 2008 بأنَّ صادرات البلاد من النفط الخام من موانئ البصرة على الخليج العربي قد بلغت 3.521 ملايين برميل يومياً في المتوسط وحقّقت عائدات بقيمة 7.3 مليار دولار عند سعر 69,322 دولاراً للبرميل، في حين بلغت قيمة صادرات العراق النفطية عام 2017 نحو 70 مليار دولار.

 وفي أحدث تقرير صادر عنها في 1/12 /2020  أعلنت وزارة النفط مجموع الصادرات والإيرادات المتحقّقة لشهر تشرين الثاني الماضي، وبحسب الإحصائية الأوّلية لشركة تسويق النفط العراقية "سومو" بلغت كمية الصادرات من النفط الخام (81) مليوناً و(262) ألفاً و(376) برميلاً، وبلغت الإيرادات قرابة (3) مليار و(394) مليوناً و(988) ألف دولار.

 

مصير النّفط العراقيّ

 إنَّ الأطماع في العراق وثرواته النفطية كانت من أهم الدوافع لاحتلاله وإعادة رسم الخريطة الاقتصادية للثروة النفطية في العراق والمنطقة، فالعراق ليس غنيّاً بالنّفط وحسب بل هو من البلدان التي تمتلك ثروات أخرى كالكبريت والفوسفات ومعادن كثيرة أخرى.

تحدّث الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن نفط الشرق الأوسط في أكثر من مناسبة، فعندما سأله مذيع شبكة CNN "أندرسون كوبر"  قبل انتخابه عام 2016 عن العراق والطريقة التي يرى فيها كيفية إلحاق الهزيمة بداعش، قال : "لو فزت سأستهدف تلك الحقول النفطية التي يسيطر عليها داعش الواحد تلو الآخر، فهم يستخرجون النفط ويحصلون على أموال طائلة منها، ثم سأرجع لأكبر خمس شركات نفطية في أمريكا والتي ستتمكّن من إعادة تأهيل هذه الحقول بسرعة عالية." وعند سؤاله عن كون استهداف الحقول النفطية استهدافاً لثروات العراق أجاب ترامب: "لا يوجد عراق ولا يوجد عراقيّون فقد انقسموا للكثير من الطوائف." وفي مقابلة أجراها معه مذيع أي بي سي نيوز "ديفيد موير" في 25 يناير/كانون الثاني 2017 أعاد ترامب الحديث عن قناعته بأنّ الولايات المتحدة (كان عليها أن تأخذ النفط) من العراق خلال احتلال البلاد في أعقاب الغزو الذي قادته عام 2003 وبرّر هذا الموقف بعدالة المنتصر: "نعم، سأضع قوّات أمريكية لحماية شركات النفط في العراق وسنأخذ كلّ الثروة، والمنتصر سيستحوذ على الغنائم." وبعد أن أشار في لقاء صحفي إلى أنَّ العراق لديه ثاني أكبر حقول نفط في العالم بقيمة 15 ترليون دولار قال: "الجيش العراقي أُبيد، لديهم جيش ضعيف، وهو مجتمع فاسد، ولو عاد الأمر إليّ فسآخذ النفط منهم." و عندما سأله أحد الصّحفيين عن العراق والسعودية قال: "سنترك قوّات معيّنة هناك، ثم نسيطر على المناطق التي بها نفط" وزاد: "سوف آخذ ثروتهم. سآخذ النفط." أمّا عمّا يجب عليهم دفعه مقابل تحريرهم فيرى أنّه: "على أقلّ تقدير عليهم أن يدفعوا لنا 1.5 ترليون دولار، هذا على أقلّ تقدير." [2] وفي مقابلة أخرى يقول: "أنا سآخذ ثروتهم، سآخذ النفط" فيقول له المذيع: "ألست تدمّر ثروة العراق بهذه الطريقة؟" و يردّ ترامب: "لا، لا، دعني أقول لك شيئاً: لا يوجد شيء اسمه العراق، لا يوجد شيء اسمه العراق، قادتهم فاسدون ولا يوجد عراقيّون. إنّهم مقسّمون إلى فصائل مختلفة. سأضع حلقة حماية حول الشركات النفطية لتأخذ كلّ الثروة وهذا ما يجب فعله." [3] يرتقي موقف ترامب بأخذ نفط العراق إلى مصافّ "النهب" وهو انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي و قوانين الحرب.

كانت سيطرة الولايات المتحدة على نفط العراق قضية رئيسة في بداية الغزو عام 2003، وأوضحت إدارة جورج بوش الابن أنّها تمتثل للقانون الدولي ولن تضع يدها عليه. وبعد سيطرة قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على العراق، بعث التحالف برسالة إلى مجلس الأمن الدولي يلتزم فيها بـ (التقيد الصارم بالتزاماته بموجب القانون الدولي) على الرغم من أنَّ قواته انتهكت ذلك القانون -مثلما حصل عندما خرقت حظر التعذيب- كما قال التحالف أنّه (سيضمن حماية نفط العراق واستخدامه لصالح الشعب العراقي). إنَّ التقاليد الأمريكية بشأن حظرالنهب لها جذورعميقة فقد ضمّها الرئيس "إبراهام لنكولن" في الأوامر العامة رقم 100 لجنود الاتحاد عام 1863 وهي معروفة باسم (قانون ليبر).

من هنا يمكن للقارىء أن يتعرّف حجم المؤامرة التي تستهدف العراق وما يجري في المطبخ السياسي للبيت الأبيض الأمريكي، ويستنتج بالدليل القاطع الخطة الغربية –الأمريكية بشان إنهاء العراق كدولة ذات سيادة وتقاسم ثروته النفطية وتأسيس ما يسمّى شراكات بين الشركات العالمية النفطية ووزارة النفط العراقيّة لكن بأسلوب جديد باسم جولات التراخيص النفطية.

تتساءل الكاتبة ناثانين في التقرير آنف الذكر عن مصير الاحتياطيّ الهائل للنفط العراقي بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 وتوضح في هذا الصدد أنّ الأزمة السياسية فيه تُضاف إليها أزمة دولية إلى جانب بعديها الداخلي والإقليمي، أي أنّها معركة السيطرة على نحو 112 مليار برميل من النفط. فضلاً عن ذلك، فقد أصبحت الصين الأكثر استيراداً للخام العراقي منذ عام 2003. ثمّ تشير الكاتبة الى أنّ الولايات المتحدة فشلت في تحويل صناعة النفط العراقي إلى شركات وطنية بعد أن كانت مملوكة للدولة منذ عام 1972 كما أنّ الشركات  الخاصة الكبرى التي تسيطر على نحو 15% من إنتاج السوق العالمي، مثل بي بي ورويال داتش شل وإكسون موبيل وشيفرون تناضل من أجل احتكار هذا الإنتاج، في حين تسعى أغلبية حكومات الدول المنتجة (ومعظمها أعضاء في منظمة أوبك) والتي تملك 85% من الإنتاج إلى خصخصة هذه الصناعة. تخلص الكاتبة إلى أنَّ المخاوف الأمنية وعدم الاستقرار السياسي والانقسام في الائتلاف الحاكم يمكن أن تؤدّي إلى تعطيل إنتاج النفط العراقي فالوضع الأمني في البلاد هشّ للغاية، إذ تواصل عشرات الجماعات المسلّحة - وبعضها يعمل لحسابه الخاص- السيطرة على حقول النفط وخاصة حقول محافظة نينوى وطرق النقل الخاصة بها. كما أنّ إقليم كردستان العراق الذي يضمّ نحو 40% من النفط العراقي يصدّر حالياً نصف مليون برميل يومياً بمعزل عن الحكومة المركزية.

بالرغم من وجود مجلس نوّاب "منتخب" واعتماد الشفافية بآليات ديمقراطية، فالاتفاقيات السّرّيّة والجانبية أصبحت سِمة مُميّزة للوضع الذي جاء بعد الاحتلال وخاصة عند الحديث عن الثروة النفطية والغازية وقد طرحت ثروات العراق النفطية في عقود مشكوك في أمرها باسم (جولات التراخيص) بين وزارة النفط وشركات عالمية احتكارية.

في العام 2009 و قبل تنظيم وزارة النفط لجولات التراخيص كانت شركات النفط الوطنية في العراق تصدّر 1,960 مليون برميل يومياً وبسعر 60 دولاراً وبقيمة 42 مليار دولار، وكان العراق آنذاك يتمتّع بفائض في ميزانيته العامة، وكان الكثيرمن المحافظات والوزارات تعيد أموالاً طائلة بسبب عدم القدرة على إنفاقها. يعني هذا أنَّ جولات التراخيص وُقّعت في وقت لم يكن فيه البلد يعاني شحّة في الأموال ولم يكن قيد التمويل يحول دون تطوير صناعة النفط فيه. وبين عامي 2009 – 2018 وقّع العراق اثني عشر عقداً مع كبريات شركات النفط العالمية خلال جولات التراخيص النفطية لرفع إنتاج العراق من 2.5 مليون برميل يومياً إلى نحو 12 مليوناً خلال السنوات اللّاحقة.

جولة التراخيص النفطية هي مجموعة من الإجراءات والفعاليات التي تبتديء بقرار وزارة النفط اختيار عدد من الرقع الاستكشافية والحقول النفطية والغازية وتنتهي بالتوقيع النهائي لعقود الخدمة. وقد أبرم أوّل التراخيص وزير النفط  في حكومة نوري المالكي "حسين الشهرستاني" في 30/6/2009. و كانت نتيجة توقيع عقود جولات التراخيص الّتي روّج لها الشهرستاني بالتنسيق مع كبار زعماء الأحزاب السياسية إحلال الشركات الأجنبية محل الخبرات الوطنية التي سبق أن أدارت صناعة النفط بكفاءة عالية، كما أثبتت التحقيقات تبديد هذي التراخيص الحقوق العراقية.

إنَّ جولات التراخيص لوزارة النفط الاتحادية وأكثر من 70 اتفاقية في "المشاركة في الإنتاج" لحكومة إقليم كردستان قد انهت أيّة إمكانية لقيام صناعة وطنية عراقية في الوقت الحالي أو في المستقبل، وحوّلت دور أيّة مؤسسة عراقية وطنية إلى ما لا يتجاوز دور مراقب لسير العمل في حقول النفط العملاقة التي أصبحت إدارتها كاملة بأيدي شركات النفط العالمية الكبرى. [4] كما أنّها منحت الشركات الأجنبية امتيازات مجحفة بحقّ العراق وكبَّلت العراق بقيود والتزامات مالية بدّدت ثرواته دون أيّ مردود على مستوى نقل التكنولوجيا وتطوير الكوادر المهنية المحلية. لقد منحت جميع تلك العقود شركات النفط العالمية تراخيص البحث والتنقيب والاستخراج للنفط والغاز لمدة 20 عاماً، وهذا في الواقع العملي يعني أنّ ما يقارب 85% من الثروات النفطية والغازية في الأراضي العراقية سيتحتّم استخراجه وبيعه في مدّة لا تتجاوز العشرين عاماً، وبالتالي ستُحرَم الأجيال القادمة من الاستفادة من أيّ من هذه الثروات بشكل شبه كامل. إنّ هذه الجولات ستبقي شركات النفط العالمية متحكّمة في إنتاج النفط العراقي و تؤدّي إلى تدمير العقلية العراقية من خلال الاستغناء عن شركات النفط المحلية.



[4] منير الجلبي - البديل العراقي - مستقبل مظلم للصناعات الوطنية والمستقلة للنفط والغاز العراقي










العدوان الامريكي على العراق

 

العدوان الامريكي على العراق 

                    البدايات والاهداف

في الوقت الذي كان العالم ينتظر انطلاق منافسات اثنين وثلاثين فريقاً لأوّل مرّة في بطولة كأس العالم السادسة عشرة في فرنسا عام 1998 وانشغال شعوب المعمورة بأحد أهمّ أحداث العالم وانطلاق تنظيم القاعدة إلى العالمية بعد دمج تنظيم الجهاد فى مصر مع تنظيم القاعدة فى أفغانستان ليتأسّس «تنظيم القاعدة العالميّ»، وفي الوقت الذي ارتفعت فيه معدّلات الفقر في العالم ومع انطلاق العالم إلى المحطة الفضائية الدولية كانت الولايات المتحدة تعمل على تعزيز الريادة العالمية الأمريكية من خلال معهد أبحاث السياسات الأمريكي الذي تأسّس لهذا الغرض والذي أصبح منظّمة تعليمية غير ربحية فيما بعد وبتمويل من وليام كريستول وروبرت كاگان، وهي منظمة تابعة إلى المحافظين الجدد الذين وصلوا إلى البيت الابيض ومنهم عشرة أشخاص ضمن ادارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، قد صادقوا على هذا القانون ومنهم): ديك تشيني، دونالد رمسفلد وپول ولفويتس الّذين يعتبرون من المؤسّسين للمنظّمة  المموّلة .

سارع المعهد في بناء (تأمين) الدعم للحرب على العراق فأصدر مشروع القرن الأمريكي الجديد (Project for the New American Century؛ PNAC) الذي ركز على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وحدّد هدفه بتعزيز الريادة العالمية الأمريكية. وأعلنت المنظمة أنّ "الريادة الأمريكية مفيدة لأمريكا وللعالم" وأنّها تسعى لبناء دعم من أجل السياسة الريگانية (من اسم الرئيس الامريكي ريغن)  للقوة العسكرية والوضوح الأخلاقي.

لكن ماذا عملت هذه المنظمة -ضمن صلاحياتها- بعد تشريع قانون القرن الامريكي؟ لاتحتاج الإجابة على هذا السؤال الكثير من التمحيص والاستنتاج فهي ببساطة شديدة  لعبت دوراً محورياً في رسم وصياغة السياسة الخارجية لإدارة بوش، لاسيّما في بناء الدعم من أجل حرب العراق، لذا مارس مؤسّسو المنظّمة الضغط على الكونجرس للمصادقة على مشروع (قانون تحرير العراق CLI) وكان ذلك في عام 1998 وهو القانون الذي جعل من السّعي إلى تغيير النظام العراقي سياسة أمريكية رسمية.

بدأت المجاميع العاملة في المنظّمة في ملفّ العراق باستقطاب ما يسمّى "بالمعارضة العراقية" المنتشرة في الخارج وتقديم الدعم المالي لها وصادق الكونجرس الامريكي على صرف مبلغ 97 مليون دولار كمساعدات للمجموعات والورش العراقية التي تعاونت مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومنها (المؤتمر الوطني العراقي) بقيادة أحمد الجلبي الذي احتضنه المُحافظون الجُدد وكُلّف بمهام زعزعة الأمن في العراق عبر عمليات عسكريّة فشلت  في تحقيق أيّة مكاسب حتّى أنّ  الجنرال "أنتوني زيني" قائد القيادة المركزية الأمريكية أثناء إدارة الرئيس "بل كلينتون" علّق واصفاً الهجوم العسكري للمؤتمرالوطني العراقي على العراق بزعامة أحمد الجلبي  بأنّه (عملية خليج الماعز).

وشبه زيني ذلك بعملية خليج الخنازير التي دعمتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية عام 1961، وهي محاولة انقلاب فاشلة قام بها كوبيون بالمنفى انتصر فيها الرئيس الكوبي فيدل كاسترو. وقال زيني إن القيام بعملية كهذه ضد العراق ستتمخض عن "خليج ماعز على الأرجح".

كانت سياسة المنظّمة (أو قانون تحرير العراق) تدعو من خلال مؤسّسيها من الصقور في البيت الأبيض الأمريكي إلى التخلّص من الرئيس صدام حسين دون الحاجة لاستخدام قوات برية أمريكية، ففي شهادة "بول وولفويتز" في 25/2/1998 أمام الكونغرس لتمرير القانون كطريقة للتخلص من الرئيس صدام حسين " بدون حرب شاملة " شجّع على استخدام عبارات الخطاب المزدوج "ساعدوا الشعب العراقي على إزاحة السلطة" . ولتوضيح فكرته أضاف وولفويتز: على أية حال وأعتقد أنّ هذا مهم جدّاً" اني  لا اطالب الكونجرس  بالتوقيع على فكرة أشدّ خطورة تقضي بانخراط أمريكا في شنّ حرب شاملة.

لكن مجريات الأمور التي حدثت بعد فشل أول عملية عسكرية للمعارضة غيّرت من الفكرة العامة في التدخل في العراق لدى مجموعة الصقور التي انتظرت كثيراً قبل أن تدفع باتجاه الحرب ووجدت في أحداث أيلول /2001 مناسبة في مهاجمة العراق، إذ بعد تسعة أيام من أحداث ايلول أرسلت جماعة (مشروع القرن الأمريكي الجديد) رسالة مفتوحة إلى "بوش الابن" ودعته لا إلى تدمير تنظيم القاعدة وحسب، بل وتوسيع الحرب لتشمل العراق أيضاً وتوظيف " الحرب على الإرهاب" والدول المارقة.  وبالفعل تسارعت الأحداث وحشدت مؤسسات ووسائل الأعلام الأمريكية لدعم الحرب ضد العراق .

وخلال فترة إنجاز المنظّمة لأعمالها ضمن حملة العلاقات العامة وتحشيد الراي العام الأمريكي والتأييد لاحتلال العراق من قبل مجموعات المجابهة والخبراء المرتبطين بالبيت الأبيض والبنتاغون والعمل على الترويج للحرب في أروقة القطاع الخاص من خلال اللقاءات والبرامج التلفزيونية الإخبارية وصفحات التعليق في الصحف- انشغلت المؤسسة الحربية بتحضيرات لحرب أكيدة على العراق وفق الأهداف العسكرية المرسومة لها ضمن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية .

لقد طالبت لجنة تحرير العراق (CLI) بعد إتخاذ القرار في الكونغرس والمصادقة على عملية تحرير العراق عام 1998 يبعض التعزيزات من مجموعات أخرى لتقديم الخطط الاستراتيجية والتّرويج بنشاط وفعالية للهجوم على العراق، من بينها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، منبر الشرق الأوسط، مشروع القرن الأمريكي الجديد، معهد المشروع الأمريكي، معهد هدسون، معهد هوفر و شركات علاقات عامة  مثل بنادور آسوشياتز. جاءت التعزيزات وبدأت  لجنة تحرير العراق -الّتي كانت ترتبط  بشكل غير مباشر بمستشار الأمن القومي- بإرسال رسائلها إلى المواطنين الأمريكيين عبر أجتماعات تعقد مع هيئات تحرير الصحف. ويشير بيان مهامّ اللجنة إلى أنّها تشكّلت كي تروّج للسلام الإقليمي وللحرية السياسية والأمن الدولي عبر تغيير نظام صدام حسين إلى حكومة ديمقراطية تحترم حقوق الشعب العراقي وتضمن  إيقاف تهديد الأمم بغضّ النظر إن عثروا على أسلحة دمار شامل أو لم يعثروا.

بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على نهاية حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران  وأحد عشر عاماً على إنتهاء حرب الخليج الثانية عقب غزو القوات العراقية للكويت بدأت الأجواء في منطقة الخليج تتهيّأ لحرب خليج ثالثة تكون هذه المرة حاسمة الغرض منها إنهاء الدور العراقي في المنطقة وتعريض سيادته  ووحدة أراضيه إلى  خطر الانقسام والتشرذم، وبعد عام من أحداث أيلول 2001 والانتهاء من احتلال أفغانستان وإسقاط حركة طالبان وجد الأمريكيون أنفسهم مضطرّين للتعجيل بغزو مؤجّل منذ أكثر من عشر سنين هو غزو العراق وتغيير نظام الحكم فيه بالقوة الداخلية أو الخارجية. لقد كان غزواً له دوافعه الكثيرة وأهدافه البعيدة.

استخدم  الرئيس الامريكي جورج بوش وصفا توراتياً في تقسيم العالم إلى محورين: محور للشر يسكن الشرق  ومحور للخير يعيش في الغرب أو ما يدور في فلكه. وعلى الرّغم من أنّ الرئيس الامريكي بوش كان ينتمي إلى الحزب الليبراليّ (اليمينيّ) فإنه على الصعيد الشخصي يمينيّ إنجيليّ يَدين بمنظومة عقائدية تقسم العالم ـ دينياً ـ إلى  هذين المحورين  ويؤيّد ما يبثّه القساوسة الإنجيليون اليمينيون في أمريكا وغيرها من ( أنّ العراق هو المركز في محور الشرّ وأنّ الخطرالأكبر قادم منه  وأنّ "إسرائيل" هي المركز المحرّك لمحور الخير، وأنّ مركز محور الخير سيضمّ إليه بمرور الوقت عناصر من قوى الخير بينما  سيجذب المركز في محور الشرّ عناصر أخرى من قوى الشرّ).

 تذرّعت الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا بوجود أسلحة الدمار الشامل في العراق لتحقيق هدفين هما: شنّ الحرب بموافقة أممية وكسب التأييد الشعبي الأمريكي للحرب، لكنّ الحكومة الامريكية فوجئت بموقف الأمم المتحدة الذي لم يدعم الحرب شرعيّاً فضلاً عن خروج التظاهرات الشعبية ضدّ الحرب أمام البيت الأبيض في واشنطن.  

أهداف الحرب:

عند الحديث عن أهداف الولايات المتحدة الامريكية من الحرب على العراق وأحتلاله واستعراض آراء المحلّلين السياسيين والمفكّرين نجد اتّفاقا شاملاً على بعض النقاط وتفصيلاً أكثر من بعضهم. سنحاول هنا من خلال هذه الدراسة ان نبين وجهة نظرنا في ذلك وندلي بدلونا للوصول إلى معرفة تلك الأهداف بإيضاح أكبر.

نستطيع القول أنّ الأهداف الأمريكية في احتلال العراق تنقسم إلى اهداف استراتيجية وأخرى اقتصادية سياسية:

1-                   الأهداف الاستراتيجية: ونلخّصها بما يلي:

o       السّيطرة على النفط والتحكم بمصادر الطاقة لديمومة الصناعة الحربية.

o       إدامة انتشار الجيوش والقواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في العالم.

o       إيجاد سوق تصريف للشركات الحاكمة.

2-                   الأهداف السياسية والاقتصادية: قد تجمع معها أهدافا ًاستراتيجية كما هو الحال في السيطرة على مصادر الطاقة النفطية، لكن نستطيع إجمالها بما يلي:

o       إلغاء دور العراق كمصدر إزعاج وخطر واقع أو متوقّع على مصالح أمريكا وإسرائيل.

o       فرض وجود عسكري أمريكي جديد في المنطقة.

o       بسط السيطرة على نفط العراق الذي يمثل ثاني أكبر أحتياطي في العالم ليُضمَّ إلى بقية منابع النفط التي تضع أمريكا يدها عليها  كي تؤمّن لنفسها ولحليفاتها في الغرب في الخمسين سنة القادمة موارد لا تنضب إذا أوشك نفط الشمال على النضوب .

o       تمكين اسرائيل من تحقيق حلمها باحتلال الاراضي المحصورة بين النيل والفرات.

o       استنزاف اقتصاديات الدول العربية الموجودة في المنطقة من خلال إشراكها في الحرب وتحميلها بلايين الدولارات كنفقات لهذه الحرب.

واخيرا نقول: إنّ ما خسره العراق من موارد لا يساوي شيئاَ أمام خسائره من أرواح مواطنيه الذين قضوا في الحرب وبعدها  جرّاء الغزو الامريكي وتبعاته.