بحث هذه المدونة الإلكترونية

2/15/2020

قصة سجين ينتظر ساعة الإعدام


 سجين ينتظر ساعة الإعدام[1]

كان يجلس في أحدى زوايا السجن السوداء رجل...بل حطام رجل...أحد الذين يفقدون بلحظات رهيبة ما لا تستطيع السنين البطيئة أن تفقدهم أياه.
فقد حيويته وقوته في دقائق قليلة منذ أن سمع بحكم الموت الذي صدر بحقه في الصباح..إذن هو الأمل بالحياة وبعد المجهول ما يمنحنا القوة والصمود.
كان متلبد الحس..صامتا وثورة خرساء تتبلور في داخله... ثورة ضد نفسه وواقع حياته الذي عاشه ، دفعه إلى ما هو فيه.
مرت في مخيلته أحداث الماضي القريب والبعيد..
وكانت أحداث المأساة التي أتت به إلى السجن هي ما راودته أكثر من غيرها...ترى لماذا قتل صديقه؟ هل صحيح أن سوء الحظ في الحب يولد مثل هذا الغضب القاتل؟ وكيف؟وهل؟ وضحك بمرارة..أنه يفكر الآن بالسبب والنتيجة، وكام الأجدر به أن يفكر بهما من قبل أن يرتكب جريمته الحمقاء..أنه يفكر الآن في محنته، فمتى كان يحسن التفكير؟ لو فكرَّ قليلا وترروى من قبل، لما عرف هذا السجن المظلم الرطب... لو عرف أن الجريمة لا تجدي وأن الأحلام التي رسمها له تفكيره الشرير ستؤدي به إلى طريق الهلاك.
ثم فكرَّ بالحياة الي ستسلب منه صباح الغد..أنها الحياة التي طالما ضاق ذرعا بها؛ من متاعيها ومعاكساتها؛ لطالما تمنى أن يموت.
مدَّ رجليه على الأرض ورفع رأسه إلى الكوة الصغيرة ونظر إلى السماء المُلبدَّة بالغيوم..كان يفكر بصوت مسموع مدمدم:
" أحسُ أن جانبا مني راضٍ كل الرضى الآن.. لقد أنهكت جسدي ضريبة الحياة..أن نفسي محرومة من الترفيه ولكن كيف السبيل إليه الآن..أنهم يسألون المحكوم بالإعدام عن رغبته الأخيرة..فلماذا لا يفعلون ذلك معي..أنه يومي الأخير."
ثم أنتفض فجأة ، لعله قد جن، إذ كيف تتحمل أعصابه الترفيه وهو على أبواب الموت؟
ضرب الحائط المتعفن بيديه ورجليه بحركات سريعة متلاصقة وكأنما هي ترجمة لأفكاره الجنونية ثم هدأ قليلا... ولكنه صمم على مهاجمة كل من يأتي إليه عند الصباح ليأخذه إلى حتفه.
وحلَّ المساء....ونودي عليه فلم يجب..قُدِّمَ له الأكل فتركه يبرد ثم حمله بيده ورماه بعنف إلى الأرض. وبقى ساكنا صامتا، وقد تصلبت يداه وجف ريقه..أن الأنسان أي أنسان يتوقع الموت بين لحظة وأخرى..أما هو الآن فهو أعظم وعيا من أي أنسان بالنهاية.
أذن ينتظرها.. ثم ثقل جفنه ونام كأنَّه ميت.
عند الصباح أيقظه الجلاد... فمسح عينيه وقام بتثاقل وخرج من سجنه، وسرعان ما عادت إليه  حيويته فمشى بثبات وهو ينظر بإصرار إلى كل شيء محيط به وكأنه يريد أن يحتفظ بصورة أطول مدة ممكنة لم يغمض عينيه وهز رأسه نافيا حين سأله الجلاد عن رغبته الأخيرة..
طوق الحبل رقبته ونظرة الأصرار على الرؤية لم تغادر ، ثم صغرت الصورة في عينيه  إلى نقطة مضيئة تضم كل ما هو له فكانت النقطة هي كل ما يصله بعالم الأحياء.
بغداد-شباط- 1972






[1] هذه القصة تعتبر أول قصة لي أعددتها لموضوع إنشائي طلبه منّا أستاذ اللغة العربية محمد الدوري وأنا في الصف الثاتي بمتوسطة المثنى بالأعظمية عام 1970  وقد تم إعادة كتابتها عام 1972. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق