بحث هذه المدونة الإلكترونية

5/22/2022

لولا ابي


لولا أبي

"أقرأ... أكتب"، هذه الكلمات البسيطة كانت تُردد على مسامعي ومسامع إخوتي منذ أن كنا صغاراً، كانت كلمات أبي الحكيم التي طلب مني أن لا أنساها أبداً. وحينما كان غائبًا، كان يكلف شقيقي الأكبر وشقيقتي الكبرى بمتابعة دراستي وسلوكي في المدرسة، فكانت المسؤوليات موزعة بين الأب والأم بشكل مثالي.

كانت والدتي تعنى بأولادها وتراقب سلوكهم في المنزل وخلال الزيارات العائلية، بينما كان والدي يعمل بجد في أعماله لتوفير ما يكفي لأسرته الكبيرة ولعمته العجوز التي كانت تعيش معهم، وكان يجمع الجميع تحت سقف منزلهم الصغير.

بالرغم من قسوة الحياة وابتعاده عن البيت بسبب وظيفته، إلا أنه كان مصممًا على توفير حياة كريمة لعائلته، ولم يتخلى عنهم أبدًا. وفي كل مرة كان يغادر فيها، كان يردد لنا تلك الكلمات: "أقرأ... أكتب".

ولم ينسى والدي تلك الكلمات حتى في آخر لحظات حياته. بفضله وبتوجيهه، حقق أبناؤه نجاحات كبيرة في حياتهم، وتخرجوا من جامعات مرموقة، وحصلوا على وظائف حكومية.

لولا أبي وتوجيهاته، لما تحققت لي ولإخوتي النجاحات التي نفخر بها اليوم. إنه فارس الأسرة الذي بنى لنا جسرًا نحو النجاح، وبفضله تحققت أحلامنا وأصبحنا ما نحن عليه الآن 

1/16/2022

لوحة في القلب

لوحة في القلب

قصة قصيرة 

جلس في الباحة الخارجية لمنزله المطلِّ على غابة صغيرة ترتفع على أرض خضراء أنبتت زهوراً برّيّة ذات ألوان زاهية شكّلت لوحة تاركةً وراءها طبيعة ساحرة بمعانيها استسلمت لها موهبته في الرسم فحمل لوحاً خشبياً وحقيبة وضع فيها أدوات يستخدمها في رسم الأشياء، قام بتثبيت ورقة بيضاء على لوح الرسم ثم أخرج من حقيبته مجموعة الألوان وفرشاة كبيرة وأخرى أصغر منها وشرع بتحديد خطوط غير مفهومة. 

  بينما كان يجول بنظره في أرجاء الغابة تسلّل شعاع للشمس من جنبات الأشجار العالية وسقطت أجزاء منه على الأرض الخضراء فتداخلت ألوانها بين ألوان ذهبية برّاقة وأخرى غامقة لا بريق لها فاستحضر ذكر خالقها الذي أبدع في تفاصيل ألوانها. ترك لوح الرسم وسار نحو حافة ترتفع عن الأرض الخضراء هي وادٍ غير عميق غطّته تلك النباتات البرّيّة وسجّادة من حشائش خضراء تدرّجت ألوانها فتشكلت خطوط من الزهور الصفراء إلى جانب أخرى ذات ألوان بنفسجية وزهور أخرى بيضاء ارتفعت سيقانها أعلى من بقية الزهور. استظلَّ جزء من الوادي بأشجار الغابة وترك مساحة منه تستقبل أشعة الشمس الذهبية التي انكسرت عند وريقات الزهور الملوّنة … حوّل بصره تجاه الأشجار العالية التي حجبت جزءاً كبيراً من ضياء الشمس المائلة إلى الغروب. لم يتفاجأ بخروج أسراب من طيور القماري التي كان ينتظرعودتها فهو يعرف عنها أنَّها طيور مهاجرة لا تحلِّق إلّا في المساء خلاف بقية الطيور التي تهاجر ليلاً وتسكن أعشاشَها نهاراً حريصة على نفسها من الطيور التي قد تهاجمها. 

  حلّقت طيور القماري عالياً في سماء صافية وشكّلت سرباً يقوده واحد منها وخلفه توزّعت بقية الطيور بصفّين متباعدين عن بعضهما وبنسق جميل. خطف ذلك المشهد قلبه وشعر بأنّه سيضيف إلى لوحته صورة مذهلة… راح يتأمّل جمال السماء بألوانها الرائعة المتداخلة بين اللون البرتقالي الذي بدأ غروب الشمس ينسجه ولون السماء الصافية الرائع. 

  أخذ فرشاتَه وبدأ يرسم لكنَّ بصره لا يكفُّ عن النظر في اللوحة الطبيعية التي أمامه، ترك يده تُحرِّكُ فرشاتَه بما يعتلج في قلبه… ظلَّ يرسم وعينه على الوادي حتى حدث أمرٌ في السماء شغله قليلاً… انطلقت أصوات الطيور العائدة إلى أعشاشها وملأت أصداؤها أرجاء الوادي فتشوّش عقله وكفَّ عن متابعة الرسم… بدأ صوتها يخفت… انتظر سكونَ المكان لكنَّ الظلام بدأ ينسج صورته فعاد إلى لوحته بعد أن عاد إلى وعيه… رفع الصورة التي رسمها ليكتشف مفاجأة كانت تنتظره! 

  على الرغم من جمال الطبيعة الساحرة أمامه وعلى الرغم من الطيور المهاجرة وتلك العائدة إلى أعشاشها التي مرّت من أمامه، وعلى الرغم من آلاف الزهور الملونة الجميلة التي متّع بصره بها، وعلى الرغم من غروب الشمس، رسمت أنامله صورة أخرى اكتشف أنَّ ملامحها تشبه ملامح حبيبته… أيقن أنَّ قلبه قد رسم لوحةً أخرى. 

  راح يتأمّل صورة حبيبته ويردِّد: 

يا غائبينَ وعرشُ القلبِ مسكنُهُمْ     هذي المواجعُ -رغم البُعدِ- هل تصلُ؟ 

و بأشارة من سبّابته خاطبها: لا يمكنكِ الإفلات من قلبي!