تطبيق القانون
في عام
1986، وخلال زيارة قيمة لأحد المعارف، شاركني بقصة مثيرة حول سلوكيات أحد
المسؤولين، والتي أثارت استياءي بشكل كبير وأعادت لي تفكيراً في مدى فعالية نظام
القانون وتطبيقه في مجتمعنا. بدا التطبيق السليم للقانون كشيء مستحيل، وكان هذا
السلوك المسؤول يبدو كأنه يعيش في عالم من الخيال، بعيداً عن أي مسؤولية واضحة.
أخبرني
صديقي، الذي يشغل منصب مدير للرقابة المالية في إحدى دوائر وزارة الزراعة والإصلاح
الزراعي في محافظة بابل، بتجاربه الصعبة التي مر بها أثناء فترة عمله قبل تقاعده.
كان يواجه تحديات كبيرة عندما كان يرفض الموافقة على طلبات الصرف المالي لصفقات
مشبوهة، والتي كانت تهدف بشكل أساسي إلى تحقيق مكاسب مالية شخصية للمسؤولين
العليا. كان يواجه ضغوطاً متزايدة من المسؤولين العامين في المؤسسة، ولكنه بقي
ثابتاً في موقفه، سواء من خلال الرد اللفظي بالرفض أو التهديد بتقديم شكوى إلى
الجهات المعنية على أعلى مستوى.
شعرت
بإعجاب شديد بقوة شخصية صديقي، واحترمته أكثر عندما تعرفت على وفائه لعمله
واستقامته في مواجهة التحديات. إنه الرجل الذي لا يتنازل عن مبادئه وقيمه، سواء في
الخدمة العسكرية أو في الحياة المدنية. تم إحالته إلى التقاعد ونقله إلى وظيفة
مدنية بسبب مواقفه المماثلة في الجيش، حيث كان يتمسك بتطبيق القوانين وعدم
الانحياز لأوامر غير مشروعة أو العصيان عليها..
استمر
صديقي في سرد مجموعة من القصص حتى وصل إلى القصة التي أثرت بشكل أساسي على مشاعري
ودفعتني لكتابة هذا الكتاب.
تدور
الرواية حول صديق لصديقي، الذي كان مخلصاً في عمله دون أن يتردد أمام التهديدات أو
الوعيد. كان يعمل كمفتش للسيطرة النوعية، وكان من واجبه تفتيش المصانع والمعامل،
بما في ذلك معامل العلف الحيواني، في إحدى القرى بمحافظة بابل.
في إحدى
المرات، أجرى صديقه جولة تفتيشية روتينية على معملين للعلف الحيواني، وبعد انتهاء
واجبه، أعد تقريره وأوصى بتغريم المعملين وإنذارهم بعدم تكرار التلاعب في نوعية
العلف والغش في التركيب والنسب المئوية. ولكن بدلاً من أن يتلقى صديقه تقديراً
مالياً أو كتاب شكر، تلقى اتصالاً هاتفياً من محافظ المحافظة المعنية، مما أدى إلى
تحويله إلى معسكر للجيش الشعبي، وذلك في محاولة لإبعاده عن عمله.
كان
الجيش الشعبي في تلك الفترة يُنظر إليه على أنه منفى لمن لا يُرغب بهم قريباً،
وليس كجيش وطني مساند للقوات المسلحة العراقية. ومع ذلك، تحققت الحقائق على الأرض
بأن الجيش الشعبي كان بالفعل ملاذاً للمنبوذين.
لكن صديق
صديقي انضم إلى الجيش دون أن يكترث لما حدث له، واستمر في خدمته حتى أُرسل إلى
جبهات القتال مع إيران، وهناك قاتل واستشهد في خدمة البلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق