بحث هذه المدونة الإلكترونية

4/12/2020

الجندي جبار قصة قصيرة


الجندي "جبار"

في عام 1981 كانت المعارك على أشدها بين العراق وايران، عندما تعرفت على جندي، من الأقلية التركمانية ويسكن مع أهله في كركوك أسمه "جبار"، و بعد ان تم تنسيبي إلى معسكر الراشدية في شمال بغداد وهو قريب نسبيا إلى بيتي.. كان واجبي رعاية البدالة العسكرية في المعسكر وصيانتها،  ومعي الجندي جبار  الذي كان يهتم بنظافة المكان، ونحن الاثنان تحت مسؤولية نائب ضابط اسمه عبد الامير.. كنت مأمورا باستلام خفارة ليلية اتناوب بها مع نائب الضابط بين يوم ويوم.. أما الجندي جبار ولكونه من أهل مدينة كركوك فكان مأمورا بالبقاء والمبيت اليومي حتى يوم أجازته بعد أحد وعشرين يوما يتمتع بإجازة ثلاثة أيام فقط.
في السابع من حزيران في ذلك العام تعرض العراق لهجمات جوية إسرائيلية استهدفت المفاعل النووي العراقي ودمرته، مما حدا بالقيادة العسكرية ان ترفع حالة التأهب ووضع الجيش في حالة الإنذار القصوى ما يعني توقف نزول أفراد الجيش إلى منازلهم بما فيهم نحن بالرغم من أننا جزءا من مؤسسة عسكرية أخرى غير تابعة للمعسكر الذي نخدم فيه. شعر جبار بارتياح شديد لبقائي معه لفترة أطول وكان يتندر علينا بكلمات عربية ركيكة ممزوجة بلكنة تركية تبعث عن الابتسامة..لكنه كان يحب الأستماع لأغاني أم كلثوم مع وجود كأس من الخمر كان يجلبه خلسة إلى داخل المعسكر دون أن يشعر به أحد..
كان الجندي جبار وعند عودته من الأجازة وكعادته يحمل أغراضه في حقيبة صغيرة يحمل فيها ملابسه وكيسا من الحلويات او الكليجة او المكسرات إضافة إلى عدد من التسجيلات الغنائية لأم كلثوم، ويخفي تحت كل ذلك زجاجة من الخمر ..
كان الدخول إلى المعسكر، من باب كبيرة يستخدم من قبل جميع الموجودين في المعسكر بما فيهم آمر المعسكر يقف عليها مجموعة من الحرس النظامي مأمورين بالمراقبة والتفتيش والتحية العسكرية لآمر المعسكر والضباط، وكان التفتيش شديدا في معظم الأوقات بسبب الأوضاع العسكرية والأمنية التي كانت سائدة آنذاك ويصاب بالتراخي عدا ذلك.
حضر الجندي جبار إلى المعسكر بعد انقضاء أجازته يحمل حقيبته الثقيلة، مرتبكا، خائفا من كشف أمره ومصادرة زجاجة الخمر ومن ثم تحويله إلى الحبس..كان يحاول تمويه الحرس بالوقوف معهم واشغالهم بالأسئلة للتملص من عملية التفتيش..الا في هذا اليوم فقد استبدل الحرس بمجموعة جديدة أمسكت بباب المعسكر اول مرة، لا يعرفهم، أوقعته في مازق وقلق من افتضاح أمره.
خطى خطوات ثقيلة باتجاه الحرس الذين أوقفوه لتفتيش حقيبته..أرتبك..اسودت الدنيا في وجهه، كاد ان يغمى عليه من الخوف، لا يعلم ماذا يفعل ؟ كان الأرتباك باديا على وجهه حتى  سقطت حقيبته من يده لتضرب الأرض بقوة بسبب وزنها فكسرت زجاجة الخمر ولوثت بقية أغراض الحقيبة فانتشرت رائحة الخمر في الأجواء فضربت انوف الحرس... حاول الجندي جبار ان يتخلص من مأزقه فضرب كفيه قائلا:
"بس لا شيشة الريحة انكسرت!!!"
في هذه اللحظة تدخلت الأقدار لصالح جبار  لتنقذه من موقفه وربما من السجن، عندما وصل موكب آمر المعسكر ما جعل الحرس ان يستنفر ويفض المكان من التفتيش مطالبين الجنود ان يدخلوا المعسكر على الفور... وهذا ما فعله الجندي جبار
استقبلت جبار وقد أصفر لون وجهه وسألته عن سبب حالته فقال بعد أن استرد أنفاسه:
"أنصاديت لو مو آمر المعسكر" ..
قص حكايته وضحك الجميع بعد انهاء قصته وبدأ يستخرج أغراضه المبلولة ، وضحكت اكثر عندما رأيته يحاول ان يجمع مشروبه فقلت له: "
لا تهتم..صار عندك مشروب يكفيك شهر، لان الكرزات منقعة والكليجة منقعة بالعرق وكل ما راح تاكل منها تسكر.."

12/4/2020 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق