زوبا
سافر شقيقهما الأكبر إلى خارج العراق لإكمال دراسة
الدكتوراه وترك لهما سيارة نادرة كان قد اشتراها والده من إحدى السفارات الأجنبية
في بغداد....لم تكن تلك السيارة معروفة لدى الناس وكان صيانتها صعبة بسبب عدم وجود
المواد الاحتياطية لها...كانت زيارة قريب لهم إلى الكويت فرصة في استيراد ماكينة محرك
السيارة .. فتم جلب الماكنة و استبدال القديم بالجديد..... لكن ذلك لم يساعد كثيرا
في الأعتماد على هذه السيارة من قبلهما فقد كان ينقصها الكثير وتحتاج إلى الكثير
من الأموال لعمل صيانة شاملة لها فقررا بيعها بعد استشارة الأخ الأكبر وشراء واحدة اخرى بدلا عنها...قام الشقيق
الأوسط بشراء سيارة صغيرة من أحد زملائه الذي كان يعمل معه في أحدى الوحدات
العسكرية في بغداد اثناء معارك العراق وايران.
كانت هذه السيارة غريبة في شكلها، محركها في
الخلف ولا تحتوي إلا على بابين رغم حجمها الأكبر من موديل آخر لنفس الشركة...كانت
تحتاج لصيانة خفيفة ومعروفة لدى الاختصاصيين ويتوفر لها بعض قطع الغيار في أسواق المدينة.
بدأ الشابان يتنافسان على قيادتها، فالأصغر يتحرك
بها إلى جامعته والأكبر يستعملها أثناء
إجازته من الوحدة العسكرية لقضاء سهرة مع أصدقائه...لكن سرعان ما تبددت طاقة
الشابين حين استنزفتها "زوبا" وهو الاسم الذي أطلق عليها من قبلهما بسبب شكلها الغريب وليس هناك شيء يدل على أنها
من السيارات المعروفة حتى أن شركتها الأم قد أوقفت انتاجها واستمرت بتصنيع الموديل
المعروف بالخنفساء.
كانت سيارة زوبا العجيبة، مثلما يحلو لأحدهم أن
يطلق عليها، توقع الشقيقان في مشاكل ومواقف متناقضة، فبعد مواجهة تلك المشاكل بانفعال
وعصبية زائدة والخروج من الموقف في النهار، تصبح موضوعا للفكاهة والسخرية في
المساء....
خرج يوما للذهاب إلى الجامعة يقود سيارة الزوبا للحاق
بموعد امتحان له فكان للسيارة رأيا آخر فقد تعطل مكابحها الموجودة على عجلاتها الخلفية والتي تعتمد عليها
السيارة في الانطلاق والمسير لكنه رغم ذلك
استمر بالقيادة من أجل الوصول إلى جامعته في الوقت المناسب، حتى بدأت السيارة آخذة
بالتباطؤ والتوقف، وارتفعت درجة حرارة المكابح وتمددت لتمسك العجلات ومنعها من
الدوران والمسير...وقفت السيارة وترجل منها وطلب من أحد المحال القريبة من مكان
وقوف السيارة جردلا من ماء بارد لسكبه على عجلات السيارة وتحريرها من قبضة المكابح
اللعينة... فعلها مرة ومرتين وثلاثة حتى وصل جامعته بشق الأنفس والتحق بأداء
الامتحان لكن خسر فرصة مراجعة مادة الدرس مع زملائه قبل الامتحان.
لم تكن زوبا العجيبة في منأى عن أحراج شقيقه الذي
خرج يقودها لقضاء سهرة جميلة مع أصدقائه للذهاب إلى أحد النوادي وفوجئ أثناء
السير بانقطاع سلك رغم حجمه الغليظ وهو يصل بين دواسة تحريك السيارة وبين نابض سرعتها
ويعني ذلك توقفها ، وبعد أن توقفت السيارة أدخل يده لسحب السلك ووجده مقطوعا من نقطة
توصيل النابض ما يعني إمكانية تركيبه مع النابض لكنه بشكل أقصر وبعد سحب النابض إلى
الخلف بعيدا عن موضعه الأصلي، أدى إلى زيادة في سرعة دوران المحرك الذي ظل صاخبا
طوال المسير.. أنتهى من أصلاح السيارة وقد اتسخت يده بالسواد جراء وجود زيت على
السلك ولم تفلح مناديله ولا قطع القماش من إزالته حتى وصل النادي فدخل الحمام على
الفور ليغسل يديه قبل أن يراه أحدهم...
كانت زوبا بحق عجيبة لم تفلح معها محاولات
الصيانة التي يقوم بها أحد الفنيين في ساحة الطيران ببغداد والذي ظل يستنزف الجيوب...
قررا الشقيقان أن يقوموا بإزالة الصدأ الذي لاح
أبوابها وحافتها ودهنها بلون قريب إلى لون أحدى السيارات الفخمة، وربما كانت
مرسيدس التي عرف عنها ذلك اللون المميز المائل إلى اللون الأزرق الرمادي معا ووجد
الشقيق الأوسط الفني الذي سيقوم بذلك وعرف عنه مهارته في سوق صيانة السيارات وبعد
زمن أنجز ما كان عليه لكنه لم يصل إلى اللون الذي أتفق عليه... عاد بالسيارة إلى
البيت وركنها كعادته أمام باب البيت وقضى سهرة مع امه وشقيقه وشقيقته يتحدثون عن
تجديد زوبا بلون اقل جمالا من لونها السابق...
في اليوم التالي استيقظ الجميع على صرخاته يطلب من
أحدهم خارج البيت ان يوقف تدحرج سيارة كبيرة (لوري) الذي تركها سائقها في وسط
الشارع واقفة مشتغلة، باتجاه سيارة الزوبا وما هي الا لحظات والجميع يراقب اصطدم
اللوري بالسيارة وتحطيم بابين منها وتكسير المرآة الجانبية والمصابيح الامامية....رغم
هول المنظر والشعور بخسارة الأموال المصروفة لتجديدها ضحك الجميع وندرت أمهم
عليها وقالت بلكنة جميلة معيبة: انفجعت ..بيعوها.. خلي تولي....
لكن زوبا صمدت في وجه الزبائن واستمرت تلاحق الشقيقان
بمشاكلها ولم يتقدم أحد لشرائها إلا من خلال صفقة استبدالها باخرى أسوأ منها و لتحل
لعنة عزيزة محل زوبا....
19/3/2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق