بعيد عن الوطن 3
كانت ايام الحصار على
العراق تضرب بشدة أوصال المجتمع العراقي وكانت طبقة الموظفين قد تأثرت كثيرا فبعد
ان كان دخله يكفيه ويكفي اعانة عائلته، أصبح راتبه لا يكفيه شراء قوته اليومي، وعند
نيل الموظف لإيفاد خارج العراق ويعني هذا مكسبا إضافيا إلى مدخلاته..يحصل الموظف
بعض المال من الشركات تغطية مصروفاته اليومية..
خرج مع مجموعة من
المهندسين الأكبر منه عمرا واكثر خبرة إلى اسطنبول لبحث أمور هندسية لأحد المشاريع
التي تنفذها الشركة التركية في العراق، فكان لزاما أن يبحث تفاصيل فنية دقيقة مع
الأتراك..في العادة تقوم الشركات باستمالة الوفود لكسب جانبها وتمرير بعض الصفقات
في المستقبل كما تعتقد..فتقوم بدعوات يومية لقضاء أمسيات جميلة في أماكن لم يعتاد
عليها في غالب الأوقات في البلاد، فهي مكلفة للأموال لا يمكن دفعها في مثل تلك
الأوقات العصيبة دعوا لتناول العشاء في أحد المطاعم المشهورة بتقديم الأسماك حسب
اختيار الزبائن..ويقوم الأتراك بتناول الوجبات الغذائية مع مشروب كحولي محلي،
فشارك بعض أعضاء الوفد في تناول هذا المشروب....أنهى تناول الطعام على أنغام
مقامات تركية قريبة من النغم العراقي..ليبدأ عرض طلبات الشاي والقهوة.... كان أحد
أعضاء الوفد قد عرف عنه موهبته في قراءة الطالع من فنجان قهوة عن طريق صديق له،
فأراد أن يقدم لأصحاب الضيافة شيئا مميزا، فاقترح أن يأخذ الجميع القهوة...ويعُرَفَ
عن الأتراك ولعهم وحبهم لقراءة الطالع من فنجان القهوة وعند مرورك في اي مقهى تركي
ستشاهد في زواياه من يقلب فنجان في يده يقرا طالع شخص جالس امامه...عند سماع
الأتراك بذلك تشجع الجميع وقدموا الفناجين المقلوبة ليبدأ مهمة صعبة لسببين...يجب
أن يقرأ باللغة الإنكليزية وكذلك صعوبة القراءة في أجواء ملبدة بدخان السجائر وصوت
الموسيقى العالي..مع هذا حزم أمره وكشف بعض الأسرار ما أثار دهشة الأتراك لقربها
من الواقع او صدقها....كان ذلك كافيا أن يقوم مدير الشركة التركية ان يطلب منه ان يقرأ
له طالعه في مكتبه الواسع والأنيق.. وقبل أن يعتذر له طلب رئيس الوفد منه أن يجامل
ويقوم بقراءة طالعه على سبيل المتعة..امتثل لطلب مسؤولة وبدأ مع فنجان مضيفنا
ليبصر طالعه...كانت الصدفة أن تكون قراءة الطالع موفقة وبشهادة منه وقد أثارت
دهشته ودهشة الحضور وخاصة بعد ان أكد رواية كان قد رواها له، حدثت له بالتمام
والكمال في بيته الصيفي..فرح زملائه بما قام به وشعر بسعادة الأتراك واعتبره أحد
زملائه بطلا من ابطال الوفد..لم تنتهي الرواية الى هنا بل كانت المفاجئة ان يطلب
مدير الشركة التركية من رئيس الوفد أن يسمح له بالانتقال الى شركته للعمل معه في
مكتبه...قال لزملائه: "انه يريد مني ان أكرر تجربة سابقة مع صديق لي كنت أعمل
معه في أحد المشاريع" .. فهم احد الزملاء وضحك رئيس الوفد واعتبر طلب الرجل شكلا من أشكال المزاح ..لكن
ذلك لم يمنع رئيس الوفدمن مداولة هذه القصة في الشركة التي يعمل فيها بعد العودة الى
البلاد...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق