بحث هذه المدونة الإلكترونية

4/09/2020

قصة قصيرة واجب


واجب

دُعيَّ ضمن مجموعة من الطلاب لأداء تمرين عسكري لتهيئة مجموعة من المقاتلين وإرسالهم إلى لبنان للوقوف إلى جانب احدى الجهات المتناحرة إبان الحرب الأهلية هناك.
كان تأجيل خدمته العسكرية عام 1978 بعد تخرجه  قد منحته فرصة طيبة في البدء بالحياة العملية والتخلص من أداء التمارين القاسية التي كانت تجرى في معسكرات للجيش فظن أنه نجا من هذا العبء، لكن شيئا آخر كان في انتظاره عندما طلب منه أن يؤدي تمرينا عسكريا لأحد صنوف القوات الخاصة الذي يتطلب جهودا استثنائية... كان التمرين عبارة عن مجموعة من المقاتلين يركضون في حلقة دائرية أرضيتها من الرمل وعلى محيطها مجموعة من الأكياس المليئة بالرمل ايضا، يقفزون في الهواء ثم الانبطاح عند سماع الأوامر من المدرب...رغم صغر مساحة الحلقة الا ان اكثر من اربعين شخص يتزاحمون و يركضون ويقفزون فيها.
كان يركض ويقفز بملابس عسكرية خلف متطوع آخر، اقل ما يقال عليه أنه صاحب جسم ضخم وطويل، لا يبعد كثيرا عنه.. استلم الجميع أمر القفز والانبطاح..كانت قفزة المتطوع الضخم الذي أمامه أسرع منه فجاء بسطاله ذو القياس الكبير ليضرب أحدى عينيه فأظلمت الدنيا فيها ولم يعد يرى شيئا فانسحبت من الحلقة ليجلس على الأرض متألما يطلب من مدربه أن يعفيه من مواصلة التدريب فوافق المدرب.
كانت الضربة قد تركت أثرا في عينه التي أحمرت إحمرارا شديدا بسببه وحصل على إجازة قصيرة حتى يريح عينيه...
لكن واجب آخرا كان قد طلب منه في أن يكون ضمن فريق عمل لعمل لوحة خلفية لخريطة الوطن العربي على مدرجات ملعب الشعب الذي كان يستضيف دورة لألعاب القوى العربية في عام 1979. كانت العديد من الدول العربية تتنافس لحصد الميداليات الذهبية في هذه الدورة.
سبقت هذه البطولة إجراء بعض التدريبات لفريق اللوح الخلفي للتمرين على إتقان صورة الوطن العربي بأوقات معينة وتبديل الأوان مع قطع أخرى من الكارتون .. كانت المجاميع من الشباب المكلف بهذه الفعالية تتبادل فيما بينها الصور المرفوعة بواسطة عصا قصيرة من طرف واحد.    
كان المدربين يتوزعون بين مجموعات الشباب يساعد في تهيئة مستلزمات اللوح الخلفي وتوزيعها على صفوف الشباب..
حضر إلى الملعب مع مجموعة من زملائه والجلوس وأخذ دوره في هذا الواجب الغريب الذي لم يسمع به من قبل بل شاهده في التلفزيون وهو يحضر فعالية مشابهة يؤديها شباب في ملعب في الصين.
       وصل المدرب وهو يحمل مجموعة من العصا وقطع الكارتون الملون إليه وبدأ المدرب بتوزيعها عليه وعلى الشباب المحيطين به، وبحركة غير محسوبة من قبل المدرب ضرب عينه المصابة بعصا وهو يتناولها إلى  الشخص يجلس خلفه..لم ينفع اعتذار المدرب منه فقد قام من مكانه متألما لكي يغادر لكن أمسك به أحد زملائه ودعاه بالجلوس واكمال واجبه حتى ينتهي منه.
عاد إلى بيته متألما ورأت والدته حالته التي لم تتمالك نفسها فصرخت فيه خوفا عليه وطلبت منه أن يعتذر عن مثل هذه الواجبات في المستقبل لكي لا يخسر عينه ففعل..
 9/4/2020


قصة قصيرة ..أمام الوزير


أمام الوزير

إهداء إلى استاذي ومدير عام شركتي الدكتور طلعت حطاب و الصديق أركان الصميدعي 

طلب من المختصين في مجالات الاتصالات في شركته الحضور إلى مكتب وزير النقل والمواصلات لمناقشة السبل الكفيلة بإعادة نظم الاتصال بين بغداد والمناطق الجنوبية والتي تعرضت إلى قصف عنيف من طائرات أمريكية عام 1997 بأمر من الرئيس الأمريكي آنذاك (بل كلينتون)... أدى القصف إلى قطع الاتصالات ومنها العسكرية المهمة التي كانت عصبا مهما لتبادل المعلومات بين القيادة في بغداد والقوات العسكرية في جنوب العراق..نالت الضربات الجوية من مركز الاتصالات في ناحية القاسم والتي اشتق اسمها من وجود مرقد الإمام القاسم بن الإمام جعفر الصادق فيها ، وهي تقع جنوب محافظة بابل وتابعة لها..

كان زميله قد أعترض عند مدير عام شركته على تكليف الشركة باعمال صيانة تلك القابلوات التي استهدفتها الطائرات الامريكية بسبب قلة الخبرة لدى كوادر الشركة المختصة أصلا باعمال مشاريع خاصة للنفط والغاز حينها شعر المدير العام بحراجة الموقف وتسائل : يعني تورطنا..! في اشارة إلى قبوله لموضوع لا يمكن تنفيذه من قبل كوادر شركته في اوقات قياسية سريعة.

لكن الوقت قد فات على الاعتذار فحضر مع زميله بوجود المدير العام لشركته إلى كرفان قريب من وزارة النقل والمواصلات يبعد مسافة زادت عن مئتين متر من مدخل الوزارة..ربما اراد الوزير ورجاله  من تواجده في هذا الكرفان أن يتخذ الحيطة والحذر تجنبا للقصف المباشر الأمريكي لمبنى الوزارة.   

دخل مع مديره وزميله بدون أستئذان إلى داخل الكرفان الذي بدأ عليه كأنه غرفة للحرس وما زاد من تمويهه عدم وجود أحد يقف خارجه... كان الوزير يتوسط المكان ومن حوله رجال يتبعونه وربما كان منهم مديرا عاما او استشاريا او أي مهندسا كبيرا مختصا.. يجلس على كرسي من الجلد وأمام مكتب متواضع وضعت عليه بعض الأوراق وهاتف جانبي.. جلس مع بقية زملائه على كراسي وضعت أمام مكتب الوزير  وكان المدير العام الذي بادر بتقديم مهندسيه للحاضرين للتعرف عليهما، أقرب مجلسا إلى الوزير من موظفيه...

ومن دون أنتظار وجه الوزير سؤالا مباشرا إلى المدير العام يطلب منه الاجابة على امكانية توفير خدمة اتصالات تابعة للوزارة الذي يعمل فيها، وبدا النقاش الفني مع الجميع فقد كان الوزير مختصا في هذا الموضوع ولا مجال للمناورة من قبل بقية الحاضرين.

لم يبادر على الرد على سؤال الوزير قبل ان يتحول مديره إليه ويطلب منه الإجابة على سؤال الوزير... أنتظر ان يسمع من الجميع آرائهم حول كيفية الوصول إلى حل سريع وسمع من زميله رايا حول إمكانية استغلال بعض خطوط الاتصالات التابع لملكية وزارته لكن قد تحتاج وقتا ليس بالقليل في تنفيذ العمل.

أنتظر قليلا بعد أن تأكد أن الجميع قد وصل لقناعة بوجود حاجة إلى زمن طويل لإعارة بعض خطوط للاتصالات إلى وزارة النقل والمواصلات، قبل أن تطرأ على أفكاره حلا سريعا لكنه ليس متأكدا من أمكانية وجوده وخاصة أنه يتعلق بشبكات اتصال تابع لوزارة النقل والمواصلات.

كانت الزمن الذي تعيشه مؤسسات الدولة عصيبا عليها، ولا يختلف كثيرا عن حالة الناس، فقد وقع الجميع تحت سطوة الحصار التي عاشها البلد في تلك الفترة...ضرب أوصاله وأصبح تعويض الأشياء المستهلكة في أنظمته التقنية بالغة الصعوبة، وأصبحت البدائل التي يقدمها المهندسين والفنيين مجرد حلول وقتية غير كافية... لذا كانت الأفكار التي كان يطرحها المهندسين اختيارا مفروضا  ليس له بديل... وكان ينظر لصاحبها بمنظار البطل الذي ساعد في تجاوز مشكلة فنية ما.

بعد أن أخذ رأيه في ذلك الموضوع، طرح فكرته امام الوزير  ونصح باستخدام منظومة اتصالات تستخدمها شركة السكك وهي أحدى مؤسسات وزارة النقل والمواصلات، واستخدامها في السيطرة على سير القطارات الذاهبة إلى البصرة والعائدة منها، وذكّر الجميع بان ناحية القاسم هي إحدى محطات القطارات وبالامكان تمرير خطوط الاتصال من قابلو السكك إلى محطة الاتصال المدمرة في ناحية القاسم منوها للوزير فيما اذا كانت تلك الاتصالات لا زالت عاملة بعد أن شابت حركة القطارات الكثير من المشاكل الفنية.

وبعد أن أنهى طرح فكرته سأل الوزير رجال من حوله فيما إذا كانت منظومة اتصالات السكك الحديد عاملة او لا فرد عليه أحدهم بعدم التأكيد لصلاحية تلك المنظومة فطلب الوزير أن يتصل بمدير العام في سكك الحديد لمعرفة  جاهزية منظومته من عدمها، وأكد مدير عامها بصلاحية الكابل وبالامكان استخدامه في حل مشكلة وزارة النقل والمواصلات.

تنفس الجميع الصعداء وقدم الوزير شكره له مع انتقاد وجهه لرجاله بعدم معرفة منظومات وزارته بشكل أفضل بينما عرف مهندس من خارج وزارته بذلك.

نال مديح المدير العام امام موظفيه وشعر بالفخر  أمام زملائه ومسؤوله المباشر.   

أتصل مدير عام كبير في وزارة العمل والاتصالات يعمل بصورة مباشرة على تأمين الخطوط لشبكات بغداد في جانب الكرخ، مع مديره العام وطلب منه أن يحضر مهندسه إلى مبنى يقع فيه مكتب ذلك المدير واستفسر عن السبب فأخبره بأن الأمر لا يتعدى الا مناقشة فنية.

ذهب إلى مبنى الأتصالات في الكرخ وقدم نفسه إلى سكرتير مديرها حتى دخل فورا لمقابلة الرجل..رحب به، واثنى عليه مقابل فكرته في ايجاد الحل لمشكلة الاتصالات ونقل له مديح الوزير، فرح لذلك، لكن كان غير مطمئن لما سيأتي من القول! وبالفعل صدق حدسه عندما عرض عليه العمل في دائرته وبامكان وزارته إجراء عملية النقل وذلك بطلب من وزير النقل والمواصلات .. لم يرفض لكنه طلب أن يشاور مديره العام بذلك.

كان الحصول على خط الهاتف في منزل أشبه بجائزة كبرى في يانصيب خيري.. وهو كغيره من الكثير من الناس لا يملك خط هاتف في منزله، ولطالما حاول ذلك لكن دون جدوى. شعر ان الفرصة قد حانت للحصول على خط الهاتف المنزلي، فطلب على الفور  من المدير العام تجهيز بيته بخط الهاتف ووافق بعد إجراء الكشف عن موقع بيته.

لم يوافق وزيره ولا مديره على نقله إلى دائرة اخرى، ورغم ذلك وصل خط هاتفه إلى منزله  بعد عناء وبعد أن عرف عمال توصيل الخط بقصة بطولته أمام الوزير.

9/4/2020

    

  



قصة قصيرة اللصوص


اللصوص

اتخذ قرار مع شريكة حياته ان تعود العائلة إلى الوطن والعيش في بيت جميل كان قد انجزه قبل احتلال وطنه  بعام ونصف، لكن الأحداث العصيبة التي كانت تمر على بلده جعلته يقرر ان يترك كل شيء وراءه قبل نشوب المعركة خوفا على عائلته من الحرب. بعد نهاية المعارك وانجلاء دخان الأسلحة التي ضربت بغداد بشدة وبدت أسوارها وأزقتها وطرقها أشبه بمشاهد مدن المانيا بعد الحرب العالمية الثانية.. كل شيء مدمر.
مات تحت الدمار الكثير من الناس الذين كان يعرفهم وخرجت من تحته وجوها لم يألفها  لكن كان يسمع عنها في الحكايات فقط تمثل أدوارا لشخصيات شريرة تستهدف الناس بأقولها وافعالها وتقلق المضاجع.
لم يكن يعرف ذلك الا بعد عودته مع عائلته إلى داره الجديد الذي أحتاج إلى الكثير من العمل لتجهيزه بالأثاث و ليسكن فيه.. انجز كل شيء بوقت قياسي بعد أن جلب معه معظم اثاثه معه فالأمور في بلده لا تساعد على ذلك خاصة بعد ان توقف كل شيء تقريبا بعد إنتهاء المعارك وسقوط البلد بأكمله بأيدي الغرباء.
نزلت العائلة  الدار الجديدة الكبيرة نسبيا بالنسبة لعدد أفراد عائلته مما ساعد على أستيعاب عائلة أخرى وهي عائلة شقيقة زوجته بشكل مؤقت، إذ كانت هذه العائلة تنتظر الأنتهاء من أعمال الصيانة والترميمات لمنزلهم، فكان لا بد من وجود حل مؤقت لهذه العائلة، فكان منزله.
في أحد صباحات شهر ديسمبر من عام 2003 وبينما كان الجميع نيام بأستثاء عديله الذي كان يستعد للذهاب إلى عمله، طرق جرس الباب وتقدم عديله إلى الباب الخارجي لمعرفة القادم او القادمين، فإذا  بمجموعة من الشباب تسأل عن صاحب البيت بإسمه ويطلبون مقابلته بحجة انهم يحملون رسالة له من ابنه الذي لم يعد معهم إلى الوطن بسبب دراسته..
كانت الأوضاع في البلد مليئة بقصص الجريمة وتنوع اساليبها، وكان الجميع على جانب من الحيطة والحذر من الوقوع في حبال الشراك التي يستخدمها اللصوص والمجرمين... وكان عديله أحد هؤلاء وكان يتصرف بحذر خشية على عائلته من أولئك اللصوص.. أخبرهم عديله بان صاحب البيت لا زال نائما وطلب منهم أن يعودوا في وقت واحد، لكن إلحاحهم حول أخبار صاحب الدار بمضمون رسالة أبنه وتحججوا بصعوبة العودة مرة أخرى بسبب الأوضاع الأمنية ..تقدم عديله وفتح الباب قليلا وطلب منهم الأنتظار لكن حتى أدار ظهره دفع اللصوص الباب ووضع أحدهم سلاحه في رأس عديله ودفعه بقوة إلى داخل الدار متوجهين إلى غرفة نوم صاحب البيت يرفع أثنان من اللصوص مسدساتهم بينما ظل ثالث ينتظر في صالة البيت ليسرق ما تقع عليه يده.
أستيقظ صاحب البيت وزوجته فزعين و قد وجه احد المسدسات في رأسه ويطلب ما يجمعا من نقود او مصوغات ذهبية..فزعت زوجته وقدمت له قلادتها لتجعل من اللص أن يبعد عن زوجها الذي لم يستوعب ما يجري فوق رأسه وفي بيته .. كان زوجها مريضا بالقلب وقد خرج من عملية زرع دعامتين لتوسيع شرايين قلبه، ما جعلها تحاول ان تقف حائلا بينه وبين اللص الذي قام بتهديد خطفه إذا لم ينفذ طلباته.
خضعت لتهديده فقدمت قلادتها الذهبية وتوسلت ووعدته بتقديم أي شيء مما تملك لمنع خطفه، لكن زوجها استعاد وعيه واخبر اللصوص بأنه لا يملك شيئا الآن وكل ما يملكه هو خارج بلده وأدعى انهم ضيوف في بيت عديله.
ربما كانت كلماته قد اصابت واقنعت اللصوص الذين شاهدوا عائلتين فعلا.....وأكد لهم ان ما يملكه الآن يوجد في محفظة  في جيب سترة له في خزانة الملابس.. اخرجتها أخت زوجته وناولتها إلى أحد اللصين وسرق ما فيها..
يبدوا ان الوقت مر سريعا على اللصوص، حيث أزدادت الحركة في الشارع وخرجت الناس إلى أعمالهم مما أربك عمل اللصوص وطلب أحد اللصوص، ينتظر خارج البيت من المجموعة داخل المنزل، بالخروج بسرعة قبل انكشاف أمرهم..مما زاد في سرعة أستجاب اللصوص لنداء قائد المجموعة، سماع أصوات وحركة غير طبيعية من بقية أفراد العائلتين في الطابق العلوي فقرت مجموعة اللصوص الخروج والاكتفاء مرغمين بما سرقوا.
خرج جميع أفراد العائلتين الموجودين في المنزل بسلام  دون أن يتعرض لها أحد... كان ذلك أهم من كل شيء بالنسبة له ولعديله.

كانت لهذه الحادثة انعطافة في حياته  فبعد ان قال ضابط التحقيق له وهو يبارك له الخروج سالما ، العصابات كثيرة ولا يمكن الكشف عنها في هذا الوقت..احتسب الله..بعدما سمع ذلك من ضابط الشرطة قرر صاحب البيت وزوجته العودة إلى من حيث أتيّا دون أن يرف لهم طرف ويتركوا كل شيء ورائهم كما فعلا قبل الحرب.
   8/4/2020  


4/07/2020

قصة قصيرة المصير


المصير

ترك رجل زوجة وسبعة أبناء بعد أن عجز عن تقديم حياة كريمة لهم، فهامت الدنيا بالزوجة والأبناء وبدأ الأبناء بالبحث لنفسه رغم الأواصر التي بينهم وبين أمهم، عن زاوية في أحدى المدن او الأوطان يركنوا إليها. تركت الأم اليهم حرية الاختيار بين وجودهم بقربها أو الأبتعاد عنها، لكنها كانت تأمل في سرها ان يبتعدوا عنها رغم حاجتها إليهم، إلا أن الحياة من حولها لا تساعد كثيرا في الاحتفاظ بهم بقربها، فهذه الحياة اليوم ليست هي كما عاشتها بالأمس. رغم ما شعرت به من مرارة في نفسها لاتخاذها ذلك القرار الذي يفرق بينها وبين أبنائها وبين أبن وآخر، لكن من أجل حياة كريمة لأولادها، كل شيء يهون.
لكن المرأة وجدت نفسها وحيدة مرة أخرى، لكن هذه المرة بدون أولادها، وسرعان ما أصبحت تسمع من هذا تلميحا ومن ذاك وعدا، وآخر طامعا فاختلط عليها الأمر فتيقنت أنها أخطأت عندما سمحت لأولادها بالتفرق، لكن بعد فوات الآوان، فقد ركن كل واحد من أبنائها في وطن وظلت وحدها تواجه الجميع.  




قصة قصيرة الغربان والحمام


الغربان والحمام

أستدعى الناس أحد الرجال ليقوم بحرس قفص من الطيور وطعامهم، وبينما هو يحاول أن يبعد الحيوانات الأخرى من الأقتراب أسقط غراب حجرا فج رأس الرجل ووقع مغشيا عليه ـ فانقضت الغربان على القفص لتنهال على الطيور لإخراجها من القفص والتهام أكلها، فطارت بعض الطيور بعيدا عن قفصها بحثا عن مكان آمن وظلت بعضها في القفص تراقب الغربان وهي تلتهم طعامها دون أن تتدخل، لكنها تأمل بالرجل أن يسترجع وعيه وطرد الغربان، إلا أن ذلك قد حدث بعد أن أتت الغربان على كل الطعام وتركت الطيور تئن من الجوع.
جاء القوم ليجد الرجل يمسح برأسه معتذرا لما حصل له رغما عنه، لكن ذلك لم يقنع الناس وطالبته بالتنحي عن الأمر وترك القفص لهم، عسى أن تعود الطيور المهاجرة والتي تركته بعيدا عن الغربان.


4/05/2020

قصة قصيرة تلفزيون


تلفزيون

منذ صغره يحب ان يكون مخرجا للأفلام السينمائية وكذلك التمثيل وكل ما يتعلق بهذه المهنة من ادوات، كان يجمع أصدقائه في حديقة عامة خارج منازلهم ويقوم بإعطاء أدوار تمثيلية لهم، لتأدية مشاهد قصة كان يقترحها عليهم.
كانت حركات التمثيل بين الأشجار والمنازل القريبة إلى الحديقة تثير سخط السكان لما فيها من ضوضاء وإزعاج يورق نوم ما بعد الظهيرة لكثير من الأشخاص الذين يفضلون نوم القيلولة .. خاصة في الصيف.
اشتكى الناس منه ومن أصحابه  لوالده أو والدته من الأزعاج الذي يتركه جراء هذا النوع من الألعاب..نصحت والدته ان يشبع رغباته في التمثيل من خلال عمل او صنع شيئا يقريه لهوايته.
عمل بنصيحة والدته وأخذ يفكر في شيء يغنيه عن تذمر الناس من العابه... استنار برأي شقيقه الكبير والاستماع لنصيحته وهي البدأ بصناعة الأشياء بدلا من ضياع وقته في مثل هذه الألعاب...استهوته النصيحة وجد فيها  فكرة قد تقوده فعلا لصناعة شيء  يحبه وهو التلفزيون... أخبر شقيقه أنه سيصنع تلفزيونا..أندهش لهذا التحدي الذي أطلقه شقيقه الصغير...سأل والده أن يحضر له قطع من الخشب و علبة صبغ لكي يصنع تلفزيونه...قام بكل شيء ، ولكي  يقترب أكثر من حجم التلفزيون الذي يريد أن يصنعه، قام بأخذ قياسات أبعاد تلفزيون البيت لتطبيقها على تلفزيونه.
قام بقطع الخشب بالأطوال والقياسات التي أخذها عن تلفزيون البيت وعمل بموجبها قطع تلفزيونه الخشبي...كان أصعب جزء واجهه هو الحفر على قطعة خشبية لعمل شاشة التلفزيون بشكلها البيضوي..نجح في كل شي معتمدا على نفسه حتى انتهى من صناعة هيكل تلفزيونه..طلب من والده قطعة من الزجاج الشفاف لتكوين شاشة التلفزيون ..جلبها له بالقياس الذي طلبه وقام بتركيبها بعد ان صبغ التلفزيون بلون أحمر  .. وضع قطعتين من الأنابيب البلاستيكية المجوفة واحدها في الجزء العلوي والاخرى في الجهة المقابلة الى الأسفل داخل ثقوب صنعها لهذا الغرض على جانبي الصندوق تنتهي بقطع على شكل بكرات مشابهة لتلك الموجودة في التلفزيون الحقيقي، تمكنه من لف الأنابيب حول نفسها.  
طلب من والدته ان تعطيه عدد من المجلات القديمة لقص صورها وعمل شريط منها باعتبارها افلام او برامج تلفزيونية..وبعد ان جمع ما يكفيه أوصل بعضها ببعض بشريط لاصق ليكون اشبه بشريط سينمائي وقام بتركيب بدايته على الانبوب العلوي ونهايته على انبوب الجهة الثانية وبدأ بلفها لتكون برنامجا تلفزيونيا يعرضه على أصدقائه.
أصبح كل شيء جاهز ليدعو أصدقائه لمشاهدة ما صنع وما يعرض لهم... كان مكان العرض في حديقة بيت اهله بعيدا عن المتذمرين من ألعابه الصبيانية.
كان متابعا جيدا للتلفزيون لذلك بدأ تلفزيونه بعرض صورة لشعار الدولة وتنتقل بكرته بعدها الى صورة لشيخ يقرا القرآن قبل أن يتحول إلى صورا أخرى اقتطعت من مجلة للأطفال لتكون  كأفلام الكارتون عنده...يستمر شريط تلفزيونه يعرض نشرة الأخبار ومسلسلات وفلما حتى يختم بشعار الدولة.
كان فرحا بما صنع وكان سعيدا لرؤية اصدقائه سعيدين بعمله...لكن رغم ذلك لم يقتنع كثيرا بانجازه لخلو تلفزيونه من صوت يصاحب نقل الصور واقترح على شقيقه ان يعيره مسجل الصوت خاصته ليسجل على بكرة الشريط صوتا للسلام الوطني وآخر للقرآن ثم حوار لفيلم كارتوني ونشرة اخبار وفلم للسهرة وجميعها سجلها له شقيقه فأصبح المسجل جاهزا ووضعه داخل صندوقه وبدا بتشغيله مصاحبا الصور.. لم يدم ذلك طويلا فقد أسترد شقيقه المسجل منه وظل محشوا بشريط من صور المجلات فقط التي مل من تغييرها بين فترة واخرى مع ابتعاد أصدقائه عن متابعة تلفزيونه..قرر أن يقوم بإعطائه الى صديق له على سبيل الهدية...
في أحد الأيام ذهب بصحبة أصدقاء له إلى مكان قريب من منحدر صخري يؤدي الى نهر يمر في المدينة، تفاجأ بوجود تلفزيونه مرميا من المنحدر وسقط قريبا من النهر..استفسر من صديقه عن وجود تلفزيونه مرميا بهذه الطريقة، جاءه الجواب صاعقا بان والده قد رماه عندما تشاجر مع شقيق له رغب في اخذه منه .. ضحك لذلك و شعر بقيمة ما صنع.



قصة قصيرة روما

روما

عرفها اول مرة في عام 1984 بعد زيارة عمل حكومي قام بها مع مجموعة من زملاء له في نفس المهنة لم يعرفهم من قبل بل كانت تلك الزيارة سببا في التعرف عليهم.
كانت روما بالنسبة له ثاني مدينة أوروبية يزورها بعد لندن، كان يسمع عنها انها بلاد روميو وجوليت ومدينة الحضارة الغربية والإمبراطورية الرومانية وفي نفس الوقت بلد المودا ورياضة كرة القدم.
كان متشوقا في الوصول إليها و رؤية عالم ساحر وجميل وما ان حطت الطائرة في مطار فيوميتشينو بروما خارج المدينة حتى بدأت الأنظار متلهفة تبصر ما حولها من مكان وأناس عرف طباعهم خلال مشاركته  في أعمال تنفذها شركات ايطالية..
انطلقت بهم سيارة الشركة التي حمل سائقها لوحة من الكارتون كتبت أسم أحدهم  للتعرف على المجموعة في فناء قاعة الأستقبال، وتوجهت بهم إلى النزل الذي خصص للمجموعة لقضاء فترة المهمة.
مرت السيارة وهي في طريقها إلى الفندق أو الموتيل الذي يقع في أطراف روما بمسافة 30 كيلومتر مخترقة شوارعها وساحاتها العامة التي ازدانت بالأبنية التاريخية وجعلت من روما متحفا كبيرا يرتاده الناس القادمين من أنحاء العالم.
كان الجميع متشوقا لرؤية الميدان الروماني والسلالم الإسبانية ونافورة تريفي ومتاحف الفاتيكان و الكولوسيوم وغيرها من آثار روما العظيمة.
وصلت السيارة إلى الفندق وكانت الغرف محجوزة مسبقا لأعضاء المجموعة ... أخذوا قسطا من الراحة بعد عناء سفر طويل ليبدأ مشوار جميل كان أغلبه أثناء عُطل نهاية الأسبوع، فكانت روما والفاتيكان أول الاهتمامات.
كانت نافورة فونتانا دي تريفي التي تقع في قلب روما اول معلم تمت زيارته.. في وسط النافورة كان هناك تمثال لشخصية رومانية تسمى نبتون يقف على عربة يجرها حصانان وتحيط بها عذراوات ثلاث، وكان الناس من أمامه يرمون الى قاع بركة الماء بعملات معدنية بمعتقد ايطالي  يقول بان من يرمي نقودا في قاع البركة يعود إلى روما مرة أخرى... رمى الجميع ما بجيبه من عملات معدنية على امل العودة ثانية إلى روما حتى لم يعد بالإمكان شراء البيتزا الشهية من مكان مجاور .. لقد صدق الاعتقاد الإيطالي حين عاد بعضهم إلى روما في أوقات أخرى. 
خرج مع اصحابه في عطلة نهاية الأسبوع الى مدينة نابولي..مدينة ليست كغيرها من المدن الإيطالية فهي مدينة متمردة على القوانين، متناقضة في كل ركن فيها..هذه المدينة الإغريقية التي عاش فيها كارافاجيو بعد ان هرب من روما ، وترك فيها ثروة وإرثًا خالدًا. منها واحدة من أكثر رسوماته شهرة.
كان يسير مع صاحبه في ساحة "أربع نجوم": حيث تقف العمارة الباروكية وعمارة العصور الوسطى والعمارة الحديثة جنبًا إلى جنب..خرجت سيارة من وسط الشارع يقودها أحد المحتالين الذين يحاولون النصب و الاحتيال على السائحين وأدعى أنه أمريكي وقد سرقت سيارته وهو يريد العودة لبلده لذا فانه مضطر لبيع ساعته اليدوية من نوع رولكس والتي تساوي الاف الدولارات لكي يتمكن من اللحاق بالطائرة..
كانا يعرفان جيدا انه ليس أمريكي بسبب لغته التي امتزجت بلكنة إيطالية، وكان يعرفان ايضا ان قصته مختلقة، لكن رغم ذلك أصر أحدهما ان يشتري الساعة لجمالها حيث كانت مقلدة بشكل كبير لنسختها الاصلية..كان لونها الذهبي عامل جذب لعينه فقرر شرائها منه وهو يعرف بزيفها. 
أراد الجميع أن لا يتركوا روما دون مشاهدة مباراة لكرة القدم في ملعب روما الأولمبي الجميل الذي يقع في شمال غرب المدينة..كانت مشاهدة الجمهور الذي حضر المباراة أكثر اهتماما للمجموعة من المباراة نفسها....رفعت الشماسي فوق الرؤوس وهتفت الحناجر باغاني تشجيع وطغت ألوان الفريقين على ملابس الجمهور..

مرت شهرين على وجودهم في روما انقضت، كلمح البصر وتمنى  البعض منهم ان يطيل البقاء لكن مهمة العمل أوشكت على الانتهاء ولا بد من الرجوع إلى الوطن. جمعت الحقائب وتم وضعها في صالة الاستقبال في انتظار السيارة لتقلهم الى المطار.. قرر أحدهم البقاء وعدم العودة لكن زملائه اقنعوه بالعودة وقبل منهم ذلك لكن على مضض وظل طوال رحلة العودة عابس الوجه، لا يتكلم الا عند قدوم المضيفة وظل زملائه يحاولون استجداء ابتسامة منه.