مقالة لفهم فيروس كورونا بشكل افضل
الوهم فعّال مستولٍ على القوى والطبائع
في كتاب " زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن قيّم الجوزية. وبالتحديد من فصل بعنوان: " هديه صلى الله عليه وسلم في التحرز من الأدواء المعدية بطبعها وإرشاده الأصحاء إلى مجانبة أهلها"، وجدت ما يلي عن الإصابة بالمرض والعدوى، بصورة عامة، وبعد أن ذكر وصايا وتوجيهات النبي عليه الصلاة والسلام في التحرز من العدوى.
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: " فالنبي صلى الله عليه وسلم لكمال شفقته على الأمة، ونصحه لهم نهاهم عن الأسباب التي تعرضهم لوصول العيب والفساد إلى أجسامهم وقلوبهم، ولا ريب أنه قد يكون في البدن تهيؤ واستعداد كامن لقبول هذا الداء، وقد تكون الطبيعة سريعة الانفعال قابلة لاكتساب من أبدان من تجاوره وتخالطه، فإنها نقّالة، وقد يكون خوفها من ذلك ووهمها من أكبر أسباب إصابة تلك العلة لها، فإن الوهم فعّال مستولٍ على القوى والطبائع، وقد تصل رائحة العليل إلى الصحيح فتسقمه، وهذا معاين في بعض الأمراض، والرائحة أحد أسباب العدوى. ومع هذا كله فلابد من وجود استعداد البدن وقبوله لذلك الداء". انتهى كلامه.
ويظهر هنا مدى فهم ابن القيم رحمه الله، للطب والنفس وهو الذي ولد في القرن السابع الهجري، أي قبل ثمانمائة عام تقريبا، حيث يؤكد أنه لإصابة البدن بالداء لابد من وجود استعداد وتهيؤ كامن فيه لقبول هذا الداء، (الاستعداد الجيني).
ويقول: "وقد تكون الطبيعة سريعة الانفعال قابلة للاكتساب من أبدان من تجاوره وتخالطه، فإنها نقّالة"، وهذا يعني في لغتنا اليوم (ضعف المناعة)، فالجسم ضعيف المناعة سريع التأثر والإصابة بالمرض.
ويضيف: "وقد يكون خوفها من ذلك ووهمها من أكبر أسباب إصابة تلك العلة لها، فإن الوهم فعّال مستولٍ على القوى والطبائع"، وهو هنا يشير إلى دور العامل النفسي والوهم في الإصابة بالأمراض المختلفة، وهو ما يؤكده العلماء اليوم.
ويقول: "وقد تصل رائحة العليل إلى الصحيح فتسقمه، وهذا معاين في بعض الأمراض، والرائحة أحد أسباب العدوى". ومعلوم أن الرائحة تنتقل في الهواء وتدخل الجسم عن طريق الأنف، وهو بذلك يشير إلى أن الجو المحيط بالمريض يكون حاملاً لمسببات المرض، وأن الاقتراب منه لدرجة شم رائحته قد يكون سبباً لانتقال المرض والإصابة به. وهذا يعني انتقال المرض عبر الاستنشاق ودخول الهواء الحامل لمسببات المرض إلى الجسم الصحيح فتمرضه، أو حتى التصاق تلك المسببات بجلد وثياب الشخص السليم وتنتقل إليه العدوى.
إذن، وبشكل عام، يمرض البدن إذا كان لديه استعداد وراثي وجيني للإصابة بالمرض، أو عندما تكون مناعته ضعيفة لا تقوى على مقاومة المرض، أو يكون الوهم مسيطرا على الشخص، أو أنه يخالط المرضى بشكل كبير. وعليه للوقاية من الأمراض، يجب تقوية المناعة والتوكل على الله والوعي وعدم الانسياق وراء الأوهام، ثم عدم مخالطة المرضى بشكل كبير وقد يلزم لبس الكمام لمنع وصول (رائحة) المرض والمريض إلى داخل البدن الصحيح، وغسل الأيدي وكل ما يلامس المريض.
هذا ما فهمته أنا من كلام ابن القيم رحمه الله، والله أعلم.