العدوان الامريكي على العراق
البدايات
والاهداف
في الوقت الذي كان العالم ينتظر انطلاق
منافسات اثنين وثلاثين فريقاً لأوّل مرّة في بطولة كأس العالم السادسة عشرة في
فرنسا عام 1998 وانشغال شعوب المعمورة بأحد أهمّ أحداث العالم وانطلاق تنظيم
القاعدة إلى العالمية بعد دمج تنظيم الجهاد فى مصر مع تنظيم القاعدة فى أفغانستان ليتأسّس
«تنظيم القاعدة العالميّ»، وفي الوقت الذي ارتفعت فيه معدّلات الفقر في العالم ومع
انطلاق العالم إلى المحطة الفضائية الدولية كانت الولايات المتحدة تعمل على تعزيز
الريادة العالمية الأمريكية من خلال معهد أبحاث السياسات الأمريكي الذي تأسّس لهذا
الغرض والذي أصبح منظّمة تعليمية غير ربحية فيما بعد وبتمويل من وليام كريستول
وروبرت كاگان، وهي منظمة تابعة إلى المحافظين الجدد الذين وصلوا إلى البيت الابيض
ومنهم عشرة أشخاص ضمن ادارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، قد صادقوا على هذا
القانون ومنهم): ديك تشيني، دونالد رمسفلد وپول ولفويتس الّذين يعتبرون من المؤسّسين
للمنظّمة المموّلة .
سارع المعهد في بناء (تأمين) الدعم للحرب
على العراق فأصدر مشروع القرن الأمريكي الجديد (Project
for the New American Century؛
PNAC)
الذي ركز على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وحدّد هدفه بتعزيز الريادة
العالمية الأمريكية. وأعلنت المنظمة أنّ "الريادة الأمريكية مفيدة لأمريكا
وللعالم" وأنّها تسعى لبناء دعم من أجل السياسة الريگانية (من اسم الرئيس
الامريكي ريغن) للقوة العسكرية والوضوح
الأخلاقي.
لكن ماذا عملت هذه المنظمة -ضمن صلاحياتها-
بعد تشريع قانون القرن الامريكي؟ لاتحتاج الإجابة على هذا السؤال الكثير من التمحيص
والاستنتاج فهي ببساطة شديدة لعبت دوراً
محورياً في رسم وصياغة السياسة الخارجية لإدارة بوش، لاسيّما في بناء الدعم من أجل
حرب العراق، لذا مارس مؤسّسو المنظّمة الضغط على الكونجرس للمصادقة على مشروع (قانون
تحرير العراق CLI)
وكان ذلك في عام 1998 وهو القانون الذي جعل من السّعي إلى تغيير النظام العراقي
سياسة أمريكية رسمية.
بدأت المجاميع العاملة في المنظّمة في
ملفّ العراق باستقطاب ما يسمّى "بالمعارضة العراقية" المنتشرة في الخارج
وتقديم الدعم المالي لها وصادق الكونجرس الامريكي على صرف مبلغ 97 مليون دولار
كمساعدات للمجموعات والورش العراقية التي تعاونت مع وكالة الاستخبارات المركزية
الأمريكية ومنها (المؤتمر الوطني العراقي) بقيادة أحمد الجلبي الذي احتضنه المُحافظون
الجُدد وكُلّف بمهام زعزعة الأمن في العراق عبر عمليات عسكريّة فشلت في تحقيق أيّة مكاسب حتّى أنّ الجنرال "أنتوني زيني" قائد القيادة
المركزية الأمريكية أثناء إدارة الرئيس "بل كلينتون" علّق واصفاً الهجوم
العسكري للمؤتمرالوطني العراقي على العراق بزعامة أحمد الجلبي بأنّه (عملية خليج الماعز).
وشبه زيني ذلك بعملية خليج الخنازير
التي دعمتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية عام 1961، وهي محاولة انقلاب
فاشلة قام بها كوبيون بالمنفى انتصر فيها الرئيس الكوبي فيدل كاسترو. وقال زيني إن
القيام بعملية كهذه ضد العراق ستتمخض عن "خليج ماعز على الأرجح".
كانت سياسة المنظّمة (أو قانون تحرير
العراق) تدعو من خلال مؤسّسيها من الصقور في البيت الأبيض الأمريكي إلى التخلّص من
الرئيس صدام حسين دون الحاجة لاستخدام قوات برية أمريكية، ففي شهادة "بول
وولفويتز" في 25/2/1998 أمام الكونغرس لتمرير القانون كطريقة للتخلص من
الرئيس صدام حسين " بدون حرب شاملة " شجّع على استخدام عبارات الخطاب
المزدوج "ساعدوا الشعب العراقي على إزاحة السلطة" . ولتوضيح فكرته أضاف
وولفويتز: على أية حال وأعتقد أنّ هذا مهم جدّاً" اني لا اطالب الكونجرس بالتوقيع على فكرة أشدّ خطورة تقضي بانخراط
أمريكا في شنّ حرب شاملة.
لكن مجريات الأمور التي حدثت بعد فشل أول
عملية عسكرية للمعارضة غيّرت من الفكرة العامة في التدخل في العراق لدى مجموعة
الصقور التي انتظرت كثيراً قبل أن تدفع باتجاه الحرب ووجدت في أحداث أيلول /2001
مناسبة في مهاجمة العراق، إذ بعد تسعة أيام من أحداث ايلول أرسلت جماعة (مشروع
القرن الأمريكي الجديد) رسالة مفتوحة إلى "بوش الابن" ودعته لا إلى
تدمير تنظيم القاعدة وحسب، بل وتوسيع الحرب لتشمل العراق أيضاً وتوظيف " الحرب
على الإرهاب" والدول المارقة. وبالفعل تسارعت الأحداث وحشدت مؤسسات ووسائل
الأعلام الأمريكية لدعم الحرب ضد العراق .
وخلال فترة إنجاز المنظّمة لأعمالها ضمن
حملة العلاقات العامة وتحشيد الراي العام الأمريكي والتأييد لاحتلال العراق من قبل
مجموعات المجابهة والخبراء المرتبطين بالبيت الأبيض والبنتاغون والعمل على الترويج
للحرب في أروقة القطاع الخاص من خلال اللقاءات والبرامج التلفزيونية الإخبارية
وصفحات التعليق في الصحف- انشغلت المؤسسة الحربية بتحضيرات لحرب
أكيدة على العراق وفق الأهداف العسكرية المرسومة لها ضمن الاستراتيجية العسكرية
الأمريكية .
لقد طالبت لجنة تحرير العراق (CLI) بعد إتخاذ القرار في
الكونغرس والمصادقة على عملية تحرير العراق عام 1998 يبعض التعزيزات من مجموعات
أخرى لتقديم الخطط الاستراتيجية والتّرويج بنشاط وفعالية للهجوم على العراق، من
بينها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، منبر الشرق الأوسط، مشروع القرن الأمريكي
الجديد، معهد المشروع الأمريكي، معهد هدسون، معهد هوفر و شركات علاقات عامة مثل بنادور آسوشياتز. جاءت التعزيزات وبدأت لجنة تحرير العراق -الّتي كانت ترتبط بشكل غير مباشر بمستشار الأمن القومي- بإرسال رسائلها
إلى المواطنين الأمريكيين عبر أجتماعات تعقد مع هيئات تحرير الصحف. ويشير بيان
مهامّ اللجنة إلى أنّها تشكّلت كي تروّج للسلام الإقليمي وللحرية السياسية والأمن
الدولي عبر تغيير نظام صدام حسين إلى حكومة ديمقراطية تحترم حقوق الشعب العراقي
وتضمن إيقاف تهديد الأمم بغضّ النظر إن
عثروا على أسلحة دمار شامل أو لم يعثروا.
بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على نهاية
حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران وأحد
عشر عاماً على إنتهاء حرب الخليج الثانية عقب غزو القوات العراقية للكويت بدأت الأجواء
في منطقة الخليج تتهيّأ لحرب خليج ثالثة تكون هذه المرة حاسمة الغرض منها إنهاء
الدور العراقي في المنطقة وتعريض سيادته
ووحدة أراضيه إلى خطر الانقسام
والتشرذم، وبعد عام من أحداث أيلول 2001 والانتهاء من احتلال أفغانستان وإسقاط
حركة طالبان وجد الأمريكيون أنفسهم مضطرّين للتعجيل بغزو مؤجّل منذ أكثر من عشر
سنين هو غزو العراق وتغيير نظام الحكم فيه بالقوة الداخلية أو الخارجية. لقد كان
غزواً له دوافعه الكثيرة وأهدافه البعيدة.
استخدم الرئيس الامريكي جورج بوش وصفا توراتياً في
تقسيم العالم إلى محورين: محور للشر يسكن الشرق ومحور للخير يعيش في الغرب أو ما يدور في فلكه.
وعلى الرّغم من أنّ الرئيس الامريكي بوش كان ينتمي إلى الحزب الليبراليّ (اليمينيّ)
فإنه على الصعيد الشخصي يمينيّ إنجيليّ يَدين بمنظومة عقائدية تقسم العالم ـ
دينياً ـ إلى هذين المحورين ويؤيّد ما يبثّه القساوسة الإنجيليون اليمينيون
في أمريكا وغيرها من ( أنّ العراق هو المركز في محور الشرّ وأنّ الخطرالأكبر قادم منه
وأنّ "إسرائيل" هي المركز المحرّك
لمحور الخير، وأنّ مركز محور الخير سيضمّ إليه بمرور الوقت عناصر من قوى الخير بينما
سيجذب المركز في محور الشرّ عناصر أخرى من
قوى الشرّ).
تذرّعت الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا
بوجود أسلحة الدمار الشامل في العراق لتحقيق هدفين هما: شنّ الحرب بموافقة أممية
وكسب التأييد الشعبي الأمريكي للحرب، لكنّ الحكومة الامريكية فوجئت بموقف الأمم
المتحدة الذي لم يدعم الحرب شرعيّاً فضلاً عن خروج التظاهرات الشعبية ضدّ الحرب
أمام البيت الأبيض في واشنطن.
أهداف الحرب:
عند الحديث عن أهداف الولايات المتحدة
الامريكية من الحرب على العراق وأحتلاله واستعراض آراء المحلّلين السياسيين والمفكّرين
نجد اتّفاقا شاملاً على بعض النقاط وتفصيلاً أكثر من بعضهم. سنحاول هنا من خلال
هذه الدراسة ان نبين وجهة نظرنا في ذلك وندلي بدلونا للوصول إلى معرفة تلك الأهداف
بإيضاح أكبر.
نستطيع القول أنّ الأهداف الأمريكية في
احتلال العراق تنقسم إلى اهداف استراتيجية وأخرى اقتصادية سياسية:
1-
الأهداف الاستراتيجية: ونلخّصها بما يلي:
o
السّيطرة على النفط والتحكم بمصادر
الطاقة لديمومة الصناعة الحربية.
o
إدامة انتشار الجيوش والقواعد العسكرية
الأمريكية المنتشرة في العالم.
o
إيجاد سوق تصريف للشركات الحاكمة.
2-
الأهداف السياسية والاقتصادية: قد تجمع معها أهدافا ًاستراتيجية كما
هو الحال في السيطرة على مصادر الطاقة النفطية، لكن نستطيع إجمالها بما يلي:
o
إلغاء دور العراق كمصدر إزعاج وخطر
واقع أو متوقّع على مصالح أمريكا وإسرائيل.
o
فرض وجود عسكري أمريكي جديد في المنطقة.
o
بسط السيطرة على نفط العراق الذي يمثل
ثاني أكبر أحتياطي في العالم ليُضمَّ إلى بقية منابع النفط التي تضع أمريكا يدها
عليها كي تؤمّن لنفسها ولحليفاتها في
الغرب في الخمسين سنة القادمة موارد لا تنضب إذا أوشك نفط الشمال على النضوب .
o
تمكين اسرائيل من تحقيق حلمها باحتلال
الاراضي المحصورة بين النيل والفرات.
o
استنزاف اقتصاديات الدول العربية
الموجودة في المنطقة من خلال إشراكها في الحرب وتحميلها بلايين الدولارات كنفقات
لهذه الحرب.
واخيرا
نقول: إنّ ما خسره العراق من موارد لا يساوي شيئاَ أمام خسائره من أرواح مواطنيه
الذين قضوا في الحرب وبعدها جرّاء الغزو
الامريكي وتبعاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق