لعبة الغربة
تنازلت عن كلّ شيء من أجل الخروج من الوطن والابتعاد عن مخاطر المحن … تنازلت عن الجار والقريب البعيد للوصول إلى بلد غريب … تنازلت عن الدّار الّتي تملكها لغيرها بعد أن قبضت ثمناً بخساً لها… تنازل ربّ الأسرة عن وظيفة في الدّولة وراتب متواضع وتنازلت الزّوجة والأولاد عن صحبة الأصدقاء
اختلفت البلاد الجديدة في كلّ شيء … اختلفت الألسن والأقلام … اختلفت الوجوه والأحلام …اختلف البنيان والعمران … اختلفت الأزياء والأشياء … اختلف النّظام والتّنظيم… اختلف الفكر والتّفكير… اختلفت الأشجار والأحجار… حتّى الصّالح والطّالح لم تعد تميّزه بوضوح في غربة الأوطان
عانت الأسرة من التّحدّث إلى الآخرين… عانت من التّبضّع والتّسكّع… عانت من الجار والإيجار… عانت من السّيرفي الطّرقات وركوب الحافلات… وعانت من إلقاء التّحيّة والسّلام… فكلّ شيء بانتظار
لم تعد الحياة هي الحياة ولم يعد حديث الأسرة الواحدة كما كان فالجميع قد فهم لعبة الغربة، ولم تعد الأسرة تبالي بما حدث لها في ماضي الأيّام فالحياة للأقوى والعمل والمطاولة للأقوى. أمّا الرّجل فظلّ أسير زوجته وبيته يردّد شعراً للمبرِّد
جسمي معي غيرَ أنَّ الرّوحَ عندكمُ
فالجسم في غربةٍ والرّوح في وطنِ
فلْيَعْجَبِ النّاسُ منّي أنَّ لي بَدَناً
لا روحَ فيه ولي روحٌ بلا بَدَنِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق