الحب الصامت
ما بين الوجع والصمت...
هناك أشياء
ترحل و أخرى تموت وأكثرها تدفن حيّة...
ولا أحد يشعر
بذلك.
على الرّغم من سنين مضت وعلى الرّغم من
حوادث كثيرة ظلَّ صامداً عند المتغيرات الجوهرية التي وقعت في مسيرة حياته منذ
تخرجه في الجامعة حتى أصبح جدّاً لعدد من الأحفاد من أولاده الأربعة، فتلك العقود
الأربعة لم تنسِه حبَّ ابنة عمّه وهي من ثري قلبه بها إذ هي حلمه طوال تلك
الفترة مع أنّه كان يكبرها بخمسة عشر عاماً.
لقد تسلّل شعور جميل إلى قلبه في مناسبة أو أكثر وفي أوقات كثيرة بأنّها تبادله
مشاعر الحبّ. لم يكن يجرؤ على التصريح بحبّه لها لاعتبارات كثيرة وقد كان ذلك
الضربة القاضية للحبّ ... كان آخرالمفارقات والخيبات سوء الفهم الذي وقعت فيه إحدى
قريباته كانت قد عرفت بفصل غير كامل من حبّه واختلط عليها الأمر فبدل مفاتحة والد
حبيبته ووالدتها برغبته في الزواج من ابنتهما بعد أن تنهي دراستها وأنّه على
استعداد لأن ينتظر، دار الحديث حول شقيقتها الأكبر منها وبصورة غير متوقعة. و مع
أنّ الأمر انتهى برفض والديها الفكرة – التي لم تكن في باله أصلاً- فقد ترك الموقف أثراً عميقاً في نفسه لأسباب عدّة؛
فحبُّ عمّه له كبير، كان يشعر به، والتقارب العائليّ الكبير بين العائلتين لم
يمنحه الفرصة في المصاهرة، حتّى ولو خطأً. الرفض يعني رفضاً آخر عند طلب يد حبيبته
التي تصغره كثيراً وهي ما زالت مراهقة في الدراسة المتوسطة... وهذا ما كان سبباً
كافياً لإخفاء مشاعر الحبّ في قلبه إلى حين.
كان
الحديث في الأجواء العائلية القريبة منه والقريبة منها ونقل الاخبار فيما بينها قد
أحدث - بشكل غير مقصود- تباعداً غير منطقي عن حبيبته فوصل له أنّ عائلتها لا تنوي
تزويج بناتها بالأقرباء خوفاً من النتائج الصحية التي قد تترتّب على مثل هذه
الزيجات وتجنّباً لتكرار قصة مشابهة في العائلة... تسلّل اليأس إلى قلبه وبخاصّةٍ
بعد أن أجمعت العائلة على دفعه للارتباط بأخرى بدلاً من المحاولة الفاشلة التي
قامت بها قريبته سابقاً، وعلت الأصوات تتبادل
حكايا كثيرة عن زيجات الأقرباء وما قد تؤدّي إليه من مشاكل في ولادات الأسرة
مستقبلاً، لكنّ ذلك كلّه كان من وحي الأخبار المتناقلة. عندها أراد أن يضع حدّاً
لمشاعره التي بدأت تثقل عليه كثيراً.
انقلبت
أيّامه إلى صراع كبير بين عواطفه وأفكاره فلم يعد يدري ما عليه أن يصنع. حاول أن يبوح
لحبيبته بحبّه في أكثر من مناسبة لكنّه لم يجرؤ لا لجبنٍ بل احتراماً لوجوده في بيت عمّه و في حضرته،
عمّه الذي كان يرى فيه أباً ثانياً، ولأنّه
لم يكن يريد أن يشغل حبيبته الصّغيرة عن دراستها.
غاب
عنها طويلاً لمّا تنسّب لوحدة عسكرية بعيدة عن مدينته. وجد نفسه عاجزاً عن اتخاذ
القرار الصحيح في الارتباط بها بسبب ظروف البلد آنذاك وظروف حبيبته الدراسية غيرالمكتملة
وعمرها الصغير. ظلَّ
يقاوم كلّ ما وقف في طريق حبّه من المعاكسات، لكنّ ما حدث لوالدته من مشاكل صحية
دفعها لأن تطلب منه الإسراع في الزواج بمن يختارها من القريبات. كان يراوغ والدته
في من ترشّحها له ويعتذر عن تلبية طلبها بحجج كثيرة، ومنهنّ من تلقّت منه اعتذاراً مباشراً بعد أن أخبرها بأنّ قلبه مع أخرى. هكذا
استطاع أن يفشل كلّ محاولة جاءت بها والدته أو زوجة عمّه.
مرّت
السنون وأنهى سنوات الخدمة العسكرية سالماً والتحق بعمله ليجد أمامه شابة جميلة من
عائلة بغدادية محافظة على التقاليد لها تقاليد عائلته ذاتها ويجمعه معها الكثير من
الصفات المحببة. تعرّف إليها واتخذ قراره بسرعة، وتقدّم لخطبتها... احتفل الجميع
بزواجه في حفل صغير اقتصر على أفراد عائلته
وبعض اقربائه، وغابت حبيبته عن الحفل
لكنّها لم تغب عن قلبه ... اختار أن تكون مشاعر حبّه لنفسه... ولو تبدّلت الأحوال.
كان رجلاً
مميزاً في تعامله مع أيّ مرأة فهو يحترم مشاعرها و يرى فيها إنساناً رقيقاً وكان
يتجنّب جرح أحساسيها، هكذا كان يفعل مع زوجته وزميلاته في العمل على حدّ السواء. كان
يتحمّل ما يتحمّل ممّا يسمعه من هنا وهناك ويفضّل كتمان غضبه وإحساسه بالضّيق أحياناً
على أن يصرخ في وجه امرأة... لذلك أراد دائماً أن يكتم حبّه ولا يبوح به لكي لا يؤذي مشاعر أخرى إلى جانبه.
مرَّ
زمن طويل وهو يحبس مشاعره تحت أضلعه لكنّ ذلك لم يمنعه من التّفكير بزيارتها في
الجامعة ليراها -ولو بالصدفة – ويرى ما يدور حولها، وعلى الرغم من أنّه كان متأكّداً
أنّها لا تهتم إلّا لدراستها ومستقبلها فإنّ هاجساً كان يتملّكه...غيرة عليها من
عيون زملائها... كان يشعر أنّها ما زالت له لا لغيره، لكنّ الأقدار لم تسمح له برؤيتها فقد تمّت الزيارات
في وقت لم تكن موجودة في كلّيّتها أو ربّما غادرت بعد انتهاء دروسها.
ما حدث
له من تقلّب في أحواله وأحوال أسرته أخذه بعيداً عن حبيبته، كان يتحرّى أخبارها من
هنا وهناك خصوصاً بعد ان تخرّجت في جامعتها، ودون أن يلفت انتباه أحد، وزاد من تحرّي أخبارها بعد أن أصبحت على وشك
الزّواج... شيء في صدره كان يقلقه على الرغم من أنّه متزوج وله من الأولاد أربعة،
كان يخشى أن تتزوّج حبيبته فيفقدها إلى الأبد.
سنحت
له فرصة أن يبوح لها بسرّ طالما ظلّ أميناً عليه... أن يبوح لها بحبّه، لكنّه تراجع احتراماً لها واحتراماً للأمانة
التي كانت معه، ولمّا لم يستطع أن يكتم أمره كثيراً وجد نفسه أمام محاولة للبوح
برغبته في الزواج منها لكنّه ارتطم بعدد من الاسئلة المقنعة منها لم تجد جواباً عنده،
فتراجع عن طلبه ليتركها بعدها تجد حياتها و مستقبلها مع رجل آخر.
لم
يستطع أن ينفض عن قلبه غبار السنين والأحداث فبقي أسيراً لها... بقي يحاول رفع ما
يحول بين قلبه وحبّه الذي نجح في إخفائه سنوات طوال ... بقي يعيش على ذكرى جميلة
رغم مرارة نتائج أحداثها.
22/11/2012
ما بعد الوجع
أيها الحب
قررت ان اخرجك من الصمت
فقد أنقضت سني صمتك
وأنجلت
أعلنت لها
بعد ان أسررت أسرارا
كسرت الصمت …. وسمعَت
كتبنا قصة جمعتنا
كتبنا حكايتنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق