النّفط العراقيّ إلى أين؟
نبذة تاريخيّة عن نفط العراق
يعود اكتشاف النفط في العراق إلى عام 1927 عندما
قامت شركة بريطانية بالكشف عن حقل نفطي كبير في كركوك، وبعد اثني عشرعاماً جاء حقل
عين زالة في الموصل ثم حقل الزبير العملاق في البصرة في عام 1948 ثم الرميلة في
البصرة عام 1953. عقب الإطاحة بالنظام الملكي الجمهوري في العراق عام 1958 وقيام
النظام شُكِّلت أوّل وزارة خاصة بالنفط في عام 1959 ثمّ أعقبت ذلك طلبات حكومية من الشركات العاملة
مثل شركة نفط العراق وشركة نفط البصرة والتي يشغّلها أفراد من شركات أمريكية
وبريطانية وغيرها لإعادة النظر باتفاقية الامتياز الممنوحة لهم بموجب بنود
الاتفاقية والتي تسمح بمراجعتها لتحسين الشروط وتطبيق ما اعتقدته الحكومة من حقّها
وفق هذه الإتفاقية. لم تسمح الشركات الأجنبيّة بهذه المراجعة و أدّى ذلك إلى فشل
المفاوضات مع الحكومة الّتي كان ردّ فعلها إصدار القانون الشهير رقم 80 في 11
كانون الأول من عام 1961 الذي وضع 99.5% من أراضي الامتياز تحت سيطرة الحكومة
العراقية وترك للشركات الأجنبية مساحات الحقول المنتجة للنفط فقط ما أدّى إلى
تدهور العلاقة بين الحكومة والشركات النفطية وتأسيس شركة النفط الوطنية العراقية الّتي
عُهِد إليها بجميع الأراضي الخارجة عن سيطرة الشركات. لم تتّخذ الحكومة أيّة إجراءات
أخرى ضد الشركات حينها، لكنّ الأوضاع السياسية التي أعقبت ذلك أجبرت الحكومة على القيام
ببعض الإجراءات عام 1964.
بدأت الشركات المذكورة باتّباع سياسة
جديدة لإجبار الحكومة على الموافقة على شروطها وراحت تتلكّأ في تنفيذ طلبات
الحكومة لزيادة الإنتاج وتحسين شروط الاتّفاقيات المعقودة معها في الوقت الّذي ازدادت فيه رغبة
الحكومة في لعب دور أكبر. إنّ تأسيس شركة النفط الوطنية قد عزّز من موقف الحكومة وقوّى
عودها وبدأت عمليات استكشاف واسعة بمساعدة روسيا وفرنسا في الأراضي التي تمّت
السيطرة عليها ما اعتبرته الشركات الاحتكارية تهديداً لمصالحها. وبعد مفاوضات
مضنية بين الحكومة والشركات الاحتكارية أصدرت الحكومة القرار رقم 69 في 1972/6/1 والذي تمّ بموجبه تأميم عمليّات شركة نفط العراق
وتبع ذلك تدريجياً تأميم الشركات النفطية العاملة في شركة نفط البصرة والموصل وصولاً
إلى التأميم الكامل لجميع أعمال شركات النفط الدولية النفطية ومصالحها في العراق
بموجب القانون رقم 200 لعام 1975 وبذلك أصبحت جميع قطاعات النفط تحت سيطرة الحكومة
العراقية.
الاحتياطيّ النّفطيّ العراقيّ
يعدّ العراق ثاني أكبر منتج للنفط الخام في أوبك
والمنطقة (بعد السعودية) ويمتلك خامس أكبر
احتياطي نفط موثوق في العالم بعد فنزويلا والسعودية وكندا وإيران. يقدّر احتياطيّ نفط
العراق بـ 153 مليار برميل نفط ونحو 131
تريليون مترمكعب من الغاز حسب أرقام غير معلنة رسمياً، ويشكّل الاحتياطي النفطي
لمحافظات البصرة وميسان وذي قار مجتمعة حوالي ثمانين مليار برميل، أي 71% من مجموع الاحتياطي العراقي. تمتاز الحقول
النفطية العراقية بوفرة الموارد الهيدروكربونية المعروفة لكن مع هذا فإنَّ الكثير
منها لم يستغلَّ بشكل جيد لأسباب كثيرة منها سوء الإدارة والتخطيط، وتتنوّع هذه الحقول
بين منتِج أو تحت التأهيل. تقع أغلب الحقول
الكبيرة من حيث المساحة والإنتاج في جنوب العراق وتمتاز هذه المواقع بتمركزها في
مناطق غير مأهولة نسبياً بعيداً عن تركّز السّكّان. تمتاز هذه الحقول ايضاً عن
غيرها من الحقول في كركوك والموصل بكلفة الاستخراج المنخفضة نسبياً بسبب طبيعة
الجيولوجيا (طبيعة الأرض). يمتلك العراق خمسة حقول نفط عملاقة في الجنوب تشكّل 60٪
من إجمالي الثروة النفطية أمّا في الشّمال قرب كركوك والموصل فيوجد ما نسبته 17%
من النفط وفق ما أعلنته وزارة التخطيط. يضمّ العراق قرابة 530 تركيباً جيولوجياً تعطي مؤشّرات
قوية على وجود كمّ نفطي هائل، ولم يحفر من هذه التراكيب سوى 115 من بينها 71 ثبت احتواؤها
على احتياطات نفطية هائلة تتوزّع على الكثير من الحقول لم يستغلّ منها سوى 27
حقلاً منها عشرة عملاقة.[1] تتولّى وزارة
النفط العراقية الحالية مسؤولية إدارة الثروة النفطية بصورة عامّة.
تتركّز حقول النفط والغاز المنتجة حالياً
في محافظتي البصرة وكركوك وتأتي بعدها في الأهمّيّة حقول محافظات ميسان وبغداد
وصلاح الدين وديالى ونينوى. أمّا الحقول غير المكتشفة أوغير المطوّرة فتوجد في
أغلب محافظات العراق ما عدا أربع هي القادسية وبابل والأنبار ودهوك. تعدّ البصرة المنبع
الرئيس للذهب الأسود في العراق أو "خزّان نفط العراق" فكمية النفط
والثروة التي تمتلكها هذه المدينة هائلة، وهي رئة البلاد الاقتصادية بفضل موقعها
الجغرافي ومنافذها الحدودية السبعة. في البصرة 15
حقلاً منها عشرة منتِجة وخمسة ما زالت تنتظر التطوير والإنتاج. وتحتوي هذه الحقول
احتياطياً نفطيا ًيقدّر بأكثر من 65 مليار برميل، أي ما نسبته 59% تقريباً من
إجمالي الاحتياطي النفطي العراقي. أمّا الإنتاج الشهري لحقول البصرة من الخام فقد
بلغ 3.521 ملايين برميل يومياً في شهر يونيو 2018.
تضمّ البصرة مجموعة من الحقول العملاقة
منها "حقل مجنون" وفيه احتياطي
نفطي مؤكّد يتراوح بين 23 و25 مليار برميل وينتج نحو 100 ألف برميل يوميّاً، ولو طُوِّر فستصل طاقته
الإنتاجية إلى 600 ألف برميل يوميّاً. وهناك حقل "نهران عمر" العملاق
الّذي تصل طاقته الإنتاجية إلى نحو 500 ألف برميل
يوميّاً، أمّا المكامن الرئيسة المنتجة في هذا الحقل فهي مكامن
"الزبير" و"نهر عمر" وله محطة إنتاج واحدة وعدد آبار النفط فيه 15 بئراً، أمّا احتياطيّه
المؤكّد من النفط الخام فبلغ 6 مليارات برميل. و من الحقول الضخمة في البصرة حقل "غرب
القرنة" وحقل "الرميلة الشرقي" ويصل إنتاجهما إلى 370 ألف برميل
يوميّاً. وبحسب تقارير عالمية، تضاهي حقول البصرة العملاقة أكبر الحقول في العالم،
واللّافت للنظر أنّه يمكن بسهولة مضاعفة حجم الإنتاج في حقول البصرة لو تمّ اعتماد
تكنولوجيا متطوّرة للتنقيب عن النفط الخام
واستخراجه وتصديره من موانئها. لكنّ تردّي البنية التحتية للصناعة النفطية وتراجع
عمليات الصيانة للخزّانات النفطية وقِدَمها وتخلّف تقنيات محطّات الإنتاج والضّخّ
نتيجة عدم كفاءتها وتدنّي نوعيّتها وقِدَمها جعلها تتخلّف كثيراً عن التطورات
العلمية والتكنولوجية التي شهدتها الصناعة النفطية خلال العقود الماضية.
تقدّر كمّيّات الغاز العراقية ب 112
تريليون قدم مكعب، ثلثاها موجود مع احتياطيات النفط في كركوك وجنوب حقل نهران عمر
ومجنون والرميلة وغرب القرنة والزبير
وحلفايا في الناصرية. بينما يوجد 20 % من احتياطيات الغاز في مناطق ليس فيها حقول
نفط وهي متركّزة في الشمال بجمبور وجمجمال وباي حسن وعجيل وبابا كركر وقاسم عمر
والمنصورية.
إنّ وجود مثل هذه الاحتياطيات من الغاز
يرشّحه لكي يكون ثاني أهم ثروة هيدروكربونية بعد النفط في العراق، حيث يستطيع
العراق مباشرة إنتاجه لأغراض الاستهلاك المحلّيّ أوّلاً وللتصدير ثانياً. وهناك
مشروع قيد الدراسة هو مشروع الغاز العربي الذي سينقل الغاز من حقول "عكّاز"
في محافظة الأنبار عبر سوريا إلى الحدود التركية ومن ثم إلى أوروبا. كلّ هذه
مشاريع ما تزال قيد الدراسة لكنّها قابلة للتحقيق مستقبلاً.
إيرادات العراق من الصّادرات النّفطيّة
وفق تقرير وارد من شركة تسويق النفط
العراقية في
وزارة النفط (سومو) في عام 2003 كانت الإيرادات النفطية العراقية قد بلغت نحو
37.33 مليار دولار. وشكّلت عائدات الصادرات النفطية نسبة 75 % من الناتج المحلي الإجمالي
للعراق و 86 % من الموارد الحكومية لعام 2008 بناءً على مصادر صندوق النقد الدولي.
وأشارت أرقام الميزانية الحكومية العراقية إلى أنّ ما رُصِد لصالح قطاع النفط في
2008 بلغ 2.6 مليار دولار وارتفع إلى 3.2 مليار دولار في 2009، أي بزيادة مقدارها
50% عن السنة السابقة.
في تقرير نشر في صحيفة
"بوبليكو" الإسبانية وتناولته قناة الجزيرة تقول
الكاتبة أرمانيان ناثانين أنّ العائدات النفطية الداخلة في ميزانية العراق بين عامي 2003 و2018 قد
بلغت نحو 850 مليار دولار. وبموجب وكالات حكومية أمريكية ومنظّمات دولية، فقد قُدّرت
تكلفة إعادة بناء العراق بمائة مليار دولار، ثلثها يذهب لإعادة بناء المنشآت
النفطية والكهرباء والغاز، فيما يرى محلّلو البنك الدولي أنّ العراق يحتاج إلى
مليار دولار إضافي سنويّاً للحفاظ على وتيرة العمل الحالية في المنشآت النفطية لتستمرّ
في إنتاج النفط. أمّا احتياطيات الغاز وفق تقرير الطاقة الأميركي المشار اليه فتأتي العاشرة على مستوى العالم، 70 % منها في
البصرة. وأكّدت وزارة النفط في أحد بياناتها الصادرة عام 2008 بأنَّ صادرات
البلاد من النفط الخام من موانئ البصرة على الخليج العربي قد بلغت 3.521 ملايين
برميل يومياً في المتوسط وحقّقت عائدات بقيمة 7.3 مليار دولار عند سعر 69,322
دولاراً للبرميل، في حين بلغت قيمة صادرات العراق النفطية عام 2017 نحو 70 مليار
دولار.
وفي أحدث تقرير صادر عنها في 1/12 /2020 أعلنت وزارة النفط مجموع الصادرات والإيرادات
المتحقّقة لشهر تشرين الثاني الماضي، وبحسب الإحصائية الأوّلية لشركة تسويق النفط
العراقية "سومو" بلغت كمية الصادرات من النفط الخام (81) مليوناً و(262)
ألفاً و(376) برميلاً، وبلغت الإيرادات قرابة (3) مليار و(394) مليوناً و(988) ألف
دولار.
مصير النّفط العراقيّ
إنَّ الأطماع في العراق وثرواته النفطية كانت من أهم الدوافع لاحتلاله
وإعادة رسم الخريطة الاقتصادية للثروة النفطية في العراق والمنطقة، فالعراق ليس
غنيّاً بالنّفط وحسب بل هو من البلدان التي تمتلك ثروات أخرى كالكبريت والفوسفات
ومعادن كثيرة أخرى.
تحدّث الرئيس الأمريكي "دونالد
ترامب" عن نفط الشرق الأوسط في أكثر من مناسبة، فعندما سأله مذيع شبكة CNN "أندرسون
كوبر" قبل انتخابه عام 2016 عن
العراق والطريقة التي يرى فيها كيفية إلحاق الهزيمة بداعش، قال : "لو فزت
سأستهدف تلك الحقول النفطية التي يسيطر عليها داعش الواحد تلو الآخر، فهم يستخرجون
النفط ويحصلون على أموال طائلة منها، ثم سأرجع لأكبر خمس شركات نفطية في أمريكا
والتي ستتمكّن من إعادة تأهيل هذه الحقول بسرعة عالية." وعند سؤاله عن كون استهداف
الحقول النفطية استهدافاً لثروات العراق أجاب ترامب: "لا يوجد عراق ولا يوجد
عراقيّون فقد انقسموا للكثير من الطوائف." وفي مقابلة أجراها معه مذيع أي بي
سي نيوز "ديفيد موير" في 25 يناير/كانون الثاني 2017 أعاد ترامب الحديث
عن قناعته بأنّ الولايات المتحدة (كان عليها أن تأخذ النفط) من العراق خلال احتلال
البلاد في أعقاب الغزو الذي قادته عام 2003 وبرّر هذا الموقف بعدالة المنتصر:
"نعم، سأضع قوّات أمريكية لحماية شركات النفط في العراق وسنأخذ كلّ الثروة،
والمنتصر سيستحوذ على الغنائم." وبعد أن أشار في لقاء صحفي إلى أنَّ العراق
لديه ثاني أكبر حقول نفط في العالم بقيمة 15 ترليون دولار قال: "الجيش
العراقي أُبيد، لديهم جيش ضعيف، وهو مجتمع فاسد، ولو عاد الأمر إليّ فسآخذ النفط
منهم." و عندما سأله أحد الصّحفيين عن العراق والسعودية
قال: "سنترك قوّات معيّنة هناك، ثم نسيطر على المناطق التي بها نفط"
وزاد: "سوف آخذ ثروتهم. سآخذ النفط." أمّا عمّا يجب عليهم دفعه مقابل
تحريرهم فيرى أنّه: "على أقلّ تقدير عليهم أن يدفعوا لنا 1.5 ترليون دولار،
هذا على أقلّ تقدير." [2] وفي
مقابلة أخرى يقول: "أنا سآخذ ثروتهم، سآخذ النفط" فيقول له المذيع:
"ألست تدمّر ثروة العراق بهذه الطريقة؟" و يردّ ترامب: "لا، لا، دعني
أقول لك شيئاً: لا يوجد شيء اسمه العراق، لا يوجد شيء اسمه العراق، قادتهم فاسدون
ولا يوجد عراقيّون. إنّهم مقسّمون إلى فصائل مختلفة. سأضع حلقة حماية حول الشركات
النفطية لتأخذ كلّ الثروة وهذا ما يجب فعله." [3] يرتقي
موقف ترامب بأخذ نفط العراق إلى مصافّ "النهب" وهو انتهاك خطير للقانون
الإنساني الدولي و قوانين الحرب.
كانت
سيطرة الولايات المتحدة على نفط العراق قضية رئيسة في بداية الغزو عام 2003،
وأوضحت إدارة جورج بوش الابن أنّها تمتثل للقانون الدولي ولن تضع يدها عليه. وبعد
سيطرة قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على العراق، بعث التحالف برسالة إلى
مجلس الأمن الدولي يلتزم فيها بـ (التقيد الصارم بالتزاماته بموجب القانون الدولي)
على الرغم من أنَّ قواته انتهكت ذلك القانون -مثلما حصل عندما خرقت حظر التعذيب- كما
قال التحالف أنّه (سيضمن حماية نفط العراق واستخدامه لصالح الشعب العراقي). إنَّ التقاليد
الأمريكية بشأن حظرالنهب لها جذورعميقة فقد ضمّها الرئيس "إبراهام لنكولن"
في الأوامر العامة رقم 100 لجنود الاتحاد عام 1863 وهي معروفة باسم (قانون ليبر).
من هنا يمكن للقارىء أن يتعرّف حجم المؤامرة التي
تستهدف العراق وما يجري في المطبخ السياسي للبيت الأبيض الأمريكي، ويستنتج بالدليل
القاطع الخطة الغربية –الأمريكية بشان إنهاء العراق كدولة ذات سيادة وتقاسم ثروته النفطية
وتأسيس ما يسمّى شراكات بين الشركات العالمية النفطية ووزارة النفط العراقيّة لكن
بأسلوب جديد باسم جولات التراخيص النفطية.
تتساءل الكاتبة ناثانين في التقرير آنف
الذكر عن مصير الاحتياطيّ الهائل للنفط العراقي بعد الغزو الأميركي للبلاد عام
2003 وتوضح في هذا الصدد أنّ الأزمة السياسية فيه تُضاف إليها أزمة دولية إلى جانب
بعديها الداخلي والإقليمي، أي أنّها معركة السيطرة على نحو 112 مليار برميل من
النفط. فضلاً عن ذلك، فقد أصبحت الصين الأكثر استيراداً للخام العراقي منذ عام
2003. ثمّ تشير الكاتبة الى أنّ الولايات المتحدة فشلت في تحويل صناعة النفط
العراقي إلى شركات وطنية بعد أن كانت مملوكة للدولة منذ عام 1972 كما أنّ الشركات الخاصة الكبرى التي تسيطر على نحو 15% من إنتاج
السوق العالمي، مثل بي بي ورويال داتش شل وإكسون موبيل وشيفرون تناضل من أجل
احتكار هذا الإنتاج، في حين تسعى أغلبية حكومات الدول المنتجة (ومعظمها أعضاء في منظمة
أوبك) والتي تملك 85% من الإنتاج إلى خصخصة هذه الصناعة. تخلص الكاتبة إلى أنَّ
المخاوف الأمنية وعدم الاستقرار السياسي والانقسام في الائتلاف الحاكم يمكن أن تؤدّي
إلى تعطيل إنتاج النفط العراقي فالوضع الأمني في البلاد هشّ للغاية، إذ تواصل
عشرات الجماعات المسلّحة - وبعضها يعمل لحسابه الخاص- السيطرة على حقول النفط وخاصة
حقول محافظة نينوى وطرق النقل الخاصة بها. كما أنّ إقليم كردستان العراق الذي يضمّ
نحو 40% من النفط العراقي يصدّر حالياً نصف مليون برميل يومياً بمعزل عن الحكومة
المركزية.
بالرغم من وجود مجلس نوّاب "منتخب"
واعتماد الشفافية بآليات ديمقراطية، فالاتفاقيات السّرّيّة والجانبية أصبحت سِمة
مُميّزة للوضع الذي جاء بعد الاحتلال وخاصة عند الحديث عن الثروة النفطية والغازية
وقد طرحت ثروات العراق النفطية في عقود مشكوك في أمرها باسم (جولات التراخيص) بين
وزارة النفط وشركات عالمية احتكارية.
في العام 2009 و قبل تنظيم وزارة النفط
لجولات التراخيص كانت شركات النفط الوطنية في العراق تصدّر 1,960 مليون برميل
يومياً وبسعر 60 دولاراً وبقيمة 42 مليار دولار، وكان العراق آنذاك يتمتّع بفائض
في ميزانيته العامة، وكان الكثيرمن المحافظات والوزارات تعيد أموالاً طائلة بسبب
عدم القدرة على إنفاقها. يعني هذا أنَّ جولات التراخيص وُقّعت في وقت لم يكن فيه
البلد يعاني شحّة في الأموال ولم يكن قيد التمويل يحول دون تطوير صناعة النفط فيه.
وبين عامي 2009 – 2018 وقّع العراق اثني عشر عقداً مع كبريات شركات النفط العالمية
خلال جولات التراخيص النفطية لرفع إنتاج العراق من 2.5 مليون برميل يومياً إلى نحو
12 مليوناً خلال السنوات اللّاحقة.
جولة التراخيص النفطية هي مجموعة من
الإجراءات والفعاليات التي تبتديء بقرار وزارة النفط اختيار عدد من الرقع الاستكشافية
والحقول النفطية والغازية وتنتهي بالتوقيع النهائي لعقود الخدمة. وقد أبرم أوّل التراخيص
وزير النفط في حكومة نوري المالكي
"حسين الشهرستاني" في 30/6/2009. و كانت نتيجة توقيع عقود جولات
التراخيص الّتي روّج لها الشهرستاني بالتنسيق مع كبار زعماء الأحزاب السياسية إحلال
الشركات الأجنبية محل الخبرات الوطنية التي سبق أن أدارت صناعة النفط بكفاءة عالية،
كما أثبتت التحقيقات تبديد هذي التراخيص الحقوق العراقية.
إنَّ
جولات التراخيص لوزارة النفط الاتحادية وأكثر من 70 اتفاقية في "المشاركة في
الإنتاج" لحكومة إقليم كردستان قد انهت أيّة إمكانية لقيام صناعة وطنية
عراقية في الوقت الحالي أو في المستقبل، وحوّلت دور أيّة مؤسسة عراقية وطنية إلى
ما لا يتجاوز دور مراقب لسير العمل في حقول النفط العملاقة التي أصبحت إدارتها
كاملة بأيدي شركات النفط العالمية الكبرى. [4] كما أنّها منحت الشركات الأجنبية امتيازات مجحفة
بحقّ العراق وكبَّلت العراق بقيود والتزامات مالية بدّدت ثرواته دون أيّ مردود على
مستوى نقل التكنولوجيا وتطوير الكوادر المهنية المحلية. لقد
منحت جميع تلك العقود شركات النفط العالمية تراخيص البحث والتنقيب والاستخراج
للنفط والغاز لمدة 20 عاماً، وهذا في الواقع العملي يعني أنّ ما يقارب 85% من
الثروات النفطية والغازية في الأراضي العراقية سيتحتّم استخراجه وبيعه في مدّة لا
تتجاوز العشرين عاماً، وبالتالي ستُحرَم الأجيال القادمة من الاستفادة من أيّ من
هذه الثروات بشكل شبه كامل. إنّ هذه الجولات ستبقي شركات النفط العالمية متحكّمة في
إنتاج النفط العراقي و تؤدّي إلى تدمير العقلية العراقية من خلال الاستغناء عن
شركات النفط المحلية.