بحث هذه المدونة الإلكترونية

8/07/2021

الهروب من الطغيان

 

الهروب من الطغيان

عرفتها عائلة هاجرت إلى العراق بعد ان تعرضت كما تعرض الآخرين من اقربائه وجيرانه لاسوأ هجمة شرسة من قبل العصابات الصهيونية التي جاءت لفلسطين بمدد ومساعدة غربية فاوقعت بأهلها قتلا وتشريدا وبدون رحمة...رافق رب الأسرة زوجته واولاده الأربعة، أكبرهم في الخامسة عشر من العمر في رحلة الهحرة.

لقد كان الخوف من المجهول هاجس الجميع، حيث لم تخطط العائلة ليوم مثل هذا، فقد كانت تسكن حيا من أحياء مدينة القدس وكان رب الأسرة مستقرا في عمله في مدرسة قريبة من داره كمعلم للصفوف الأبتدائية و زوجته ترعى أولادهما في غيابه وتشارك زوجها في تعليمهم في المنزل واداء الفروض المدرسة.

واليوم يجد نفسه بوطن لم يطئ أرضه من قبل، لكن عرف عنه القليل في كتاب الجغرافية التي يدرسُّها في مدرسته، فعرف بغداد والبصرة والموصل وأثار بابل وسامراء، فأختار بغداد وجهة له والأستقرار في أحد أحيائها الشرقية، كماعرف بيرق العراق بالوانه ونجومه الثلاثة الخضراء التي رصفت على لونه الابيض، وقد حكى لي قصة عن راية العراق، شعرت بها بالفخر في إنتمائي إلى العراق. وأخبرني بأحوالهم قبل الأحتلال الصهيوني ويصفها بالجيدة وسط أهل واصحاب وعلاقات أجتماعية طيبة مع الآخرين.

لقد كان لرجل عراقي يعمل معلما في نفس المدرسة سببا كافيا لأختيار العراق في نزوحه عن وطنه، وقد اثنى كثيرا على أخلاقه وتعامله مع زملائه حتى انه كان يلعب كرة القدم مع الأولاد في أوقات عطلة نهاية الاسبوع، في مروج خضراء تحيط بالمدينة ويتخذ من سيقان الاشجار الخضراء مَرامٍ غير نظامية، كما يجلس معهم يفترشون الحشائش ليصنع لهم طائرات ورقية من أوراق الجرائد القديمة ويقوم بتعليمهم كيف يمسكوا بها ويشدوا الخيط الذي يرفعها لتتمايل بين جنباتها وترتفع بعيدا عن المروج والزهور البرية حتى تصل فوق قباب مدينة القدس فيتغير لونها الاسمر بعد انعكاس الأشعة القادمة من القبة الذهبية في المدينة.

تعلقت الاطفال بافكاره خاصة، في تشكيل الطائرات الورقية وعندما أستهوت الأطفال هذه الالعاب بدأ يشكًل لهم من علم فلسطين طائرات ورقية جميلة يتسابق الاطفال في أطلاقها عاليا.

 واسترسل في قصته وقال لي: في يوم ما جاءني ابني الكبير وسألني ان أحضر له علم العراق ليشكل منها طائرة ورقية يجعلها تطير بين تلك التي صنعها صديقي العراقي كرد جميل لأفكاره التي أحتفت بعلم بلدي فلسطين، وبالفعل قام ولدي بتشكيل طائرة جميلة موشحة بالعلم العراقي وعندما سألت ولدي عن اسباب أختيار طائرة كبيرة في الحجم، فوجئت بجوابه وقال لي ان العراق أكبر وسنحتمي به يوما. لقد صدقت رؤيته عندما نزحنا إلى العراق واسكنني صديقي العراقي في داره قبل ان أجد دارا آخر أسكن فيه.

ارتفعت الطائرات الورقية الموشحة بالاعلام العراقية والفلسطينية في سماء القدس تحكي قصة بلدين هاجمها الأشرار، فكانت الوانها واحده تتلألأ كالنجوم في السماء لا تفصلها الا المسافات. لكن طائرات آخرى حملتني وحملته إلى بلاد بعيدة هروبا من الطغيان بعد ان بدأ الغزاة والطغاة يعبث بتأريخ البلاد والعباد.



        

             

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق